الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

علي الجاك.. بالأمس كان هنا

علي الجاك.. بالأمس كان هنا
26 فبراير 2020 23:34

غالية خوجة

التشكيلي المبدع الزميل علي الجاك، الذي رحل عن دنيانا أمس الأول، أدرك مبكراً أن الإبداع حياته الباقية، وعمل ضمن هذه الرؤية بين الرسم والتشكيل وتصميم البوسترات، وتصميم أغلفة الكتب لا سيما الصادرة عن المجمع الثقافي بأبوظبي، كما عمل مخرجاً فنياً تزين ملحق الاتحاد الثقافي بذائقته المثقفة الجاذبة، وفاز بجوائز عدة منها جائزة البردة ـ وزارة الثقافة وتنمية المعرفة 2015 عن عمله الخطّي الفني الذي رسم فيه بيت شعر للإمام البوصيري: «محمد زينة الدنيا وبهجتها، محمد كاشف الغمات والظلم».
تبدو كلمة «الراحل» الآن ثقيلة على الكتابة، كما هي ثقيلة على أسرته وعلى زملائه وأسرة تحرير «الاتحاد»، وكذلك على أصدقائه، لأن الجاك كان بالأمس هنا، وستظل هذه العبارة هي التي تحكم ذاكرتنا عنه، فمهما مرت السنون سيظل غيابه ساعات يوم، وحضوره طاغياً بما تركه من إرث ومحبة وروح لا يمكن نسيانها.
وفي الكلمات التالية وصف لصدمة الرحيل.. وأثر الراحل عبر من عاصروه وتعرفوا عليه إنساناً ومبدعاً.
يقول الكاتب الصحفي والمخرج ناصر الظاهري: كان يعرف الإمارات، ويعرف أهلها، وكانت قريبة منه الأشياء، وكان يسبر عمقها. فنان رقيق يمر قربك مثل نسمة هواء لا تجرح برودتها الخد، صديق المجمع الثقافي في أبوظبي، صديق اتحاد الكتاب في الشارقة، صديق الجميع في مدن الإمارات المختلفة، أعماله تستدعيك من بعيد، وتلزمك التوقف، لا تجعلك تمر عابراً مستعجلاً، لأنها غائرة، وأحياناً محلقة، وأحياناً متناهية للبعيد والعميق، بفقد الفنان علي الجاك تفقد الإمارات قبل السودان إنساناً أممياً رائعاً، ومثقفاً عربياً كان يسمو بأخلاقه وتحضره. لروحه الرحمة والطمأنينة والسكون الأبدي. لقد صمم لي غلاف كتابي «منتعلاً الملح.. وكفاه رماد/‏‏‏‏ مجموعة قصصية»، وكتاب آخر في أدب الرحلات «لليل طائره.. وللنهارات المسافات».

الحزن على المبدعين
ويعبّر التشكيلي الفنان الإماراتي د. محمد يوسف عن مشاعره أمام الرحيل المفاجئ لعلي الجاك: نحزن على جميع الناس، لكننا، بكل تأكيد، نحزن على المبدعين أكثر.
وأضاف: كان الجاك، رحمه الله، يتعامل مع الفكرة والإبداع يومياً، وهذا يأخذ من وجدانه كثيراً سواء في الإخراج الفني للصحيفة، أو تصميم الكتب، وهذا يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، لأن الإبداع اليومي ليس سهلاً أبداً، وخصوصاً الإخراج الصحافي الفني.
ويؤكد الكاتب محمود يوسف خضر على فرادة شخصية التشكيلي الراحل علي الجاك، وكيف كان تعارفهما منذ التسعينيات في المجمع الثقافي بأبوظبي، حيث كان خضر مستشاراً قانونياً للمجمع آنذاك، مؤكداً: لم أر وجهه إلا باسماً، وقلبه أبيض، إنه فنان متفرد في التصميم الغرافيكي، كما نال جوائز عدة في هذا المجال الفني، لافتاً إلى أن الجاك صديق ودود وحميم، وما الموت إلا جزء من الحياة، ونتقبل رحيله بألم وحزن، ولا يبقى بعد الرحيل سوى الأعمال الطيبة والإبداع. وذكر خضر أن علي الجاك صمم له كتاب «تاريخ الفنون الإسلامية» الفائز بجائزة الكويت للتقدم العلمي، وكتابه «تاريخ المسلمين وفنونهم في الأندلس» وكتاب «ضيف على الحياة».
فلسفة التصميم
أمّا الفنانة التشكيلية الإماراتية خلود الجابري، فقالت: تربطني به علاقة مختلفة لأنه كان بالنسبة إلي زميلاً وصديقاً ومعلماً وكنا جيراناً وتربطنا به وعائلته علاقة إنسانية راقية، واشتركنا في المكتب ذاته لمدة 13 عاماً كمصممة مطبوعات، ما بين 1992 ولغاية 2006، كما تربطنا فلسفة الحياة والفن، لقد أوجد مدرسة مختلفة، وابتكر أسلوباً جديداً في الغرافيك، وأيضاً كان من مؤسسي قسم النشر في المجمع، وأوجد ثيمة معينة للتصميم، وكان محفزاً ويمتلك طاقة إيجابية.

محمد أحمد السويدي: كان يحمل طاقة الفنان المختلف
يقول الأديب والشاعر محمد أحمد السويدي لـ«الاتحاد»: حين دلف الصديق علي الجاك إلى أروقة وقاعات المجمع الثقافي في أواخر الثمانينيات، حمل معه طاقة الفنان المختلف المفكر، فما لبث أن نثر لمساته الفنية هنا وهناك، لتخرج في تصاميم رائعة، للكتب وبروشورات المعارض بمختلف أنواعها، فيخرج التصميم متفردًا، ويصبح لوحة فنية ترتاح لها أعين الناظرين، بل إنه عبر بمفهوم التصميم الجرافيكي إلى فضاء رحب، كما عبرت شهرته إلى جميع الأمكنة، فما من سفارة إلا رغبت في تصميمه، وما من كاتب أو ناشر إلا قد رغب في التعامل معه. وشهدت مكتبة المجمع الثقافي العامرة ومؤسساته وقاعاته، هذا الثراء من الجمال المتعدد. ظلت علاقتنا بالصديق علي الجاك ممتدةً حيث شملت أعمال القرية الإلكترونية.
كان علي الجاك الإنسان، لطيفًا، دائم الابتسام، حلو المسامرة، لم تُر على سيماه علامات غضب قط. مساء الثلاثاء 25 فبراير 2020، آثر أن يرحل إلى دارٍ بعيدة عن دنيانا، ذهب إليها بخفة روحه وجمالها، بعد معاناة طويلة مع مرضٍ صبر عليه صبراً جميلاً، وكان بحسه المرهف يخفي آلامه بالابتسام الدائم.
له الرحمة والمغفرة في عليائه ولأسرته وزملائه وأصدقائه ومعارفه، صادق العزاء.

ميسون صقر القاسمي: أعطى وعياً مختلفاً
تقول الشاعرة الروائية والتشكيلية الإماراتية ميسون صقر القاسمي: متأثرة منذ لحظة علمي بوفاته. تعاملت مع علي الجاك منذ بداية دخوله إلى المجمع الثقافي، حيث أحدث نقلة نوعية في تلك الفترة التي كنت فيها في القسم الثقافي ـ الفنون، وكانت لمساته الفنية المتميزة واضحة في جميع أعماله، ومنها كتالوجات الفنون والمسرح والسينما وقسم الفيديو والمهرجانات، مثل مهرجان الأطفال.
وتضيف القاسمي: دارت بيننا حوارات كثيرة وكبيرة حول فكرة الملصقات والإخراج الفني، وأسلوبه شكّل نقلة فنية نوعية، وأضاف وعياً مختلفاً لفكر المجمع الثقافي. لم يكتف بفكرة الإخراج ولم نكتف نحن بذلك، ولذلك كانت الحوارات تتسع وتتوسع، إضافة إلى أنه طور وعيه بالقراءة المختلفة وبذلك أضاف لتجربته وأعماله، وأصبح التواشج الفني المثقف بارزاً بينه وبين أعماله وأعمالنا وأنشطتنا وإصداراتنا المختلفة، وتمتعنا بفكره المثقف المتكامل، تلك الحقبة التي عاصرها آنذاك محمد أحمد السويدي، أحمد راشد ثاني، محمد المزروعي، مسعود أمر الله، عبد العزيز جاسم، سعد جمعة، عادل خزام، ناصر الظاهري وابتدأ الجاك يدخل في فكرة اختيار اللوحات والمعارض الفنية في الأفلام. وأكملت: لقد علّمنا الجاك كيفية الإخراج الفني ليس بمضمونه وإنما بشكله أيضاً. إنه فنان كبير لم ينل حقه في فكرة إخراج الكتب أو كفنان ضمن العالم العربي، وهو مبدع أيضاً في تطويره الفني في ملحق «الاتحاد الثقافي»، وبذلك يكون قد أضاف لجمالياته ثقافة إخراج الصحف.
واختتمت ميسون القاسمي: على المستوى الشخصي، هو إنسان كتوم الألم، منفتح بشوش الوجه، مهما ابتعدت عنه، وعدت، تجد كأنك ابتعدت عنه قبل قليل، إنه صافي القلب، يسأل ويتتبع مسيرة أصدقائه، ولم يثر أي مشكلة مع أي أحد، يعمل بصمت إلى أن ينهي العمل ثم تبدأ حيويته الكلامية. لقد كان، رحمه الله، من أعمدة صنّاع الثقافة والفن في الإمارات، وأتمنى من الدولة والجريدة الاهتمام بأسرته، لأنه ممن أسهم في إثراء الثقافة بالإمارات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©