الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

خبز «الباجيت».. 70 سنتيمتراً من المذاق

خبز «الباجيت».. 70 سنتيمتراً من المذاق
28 فبراير 2020 00:05

رضاب النهار (باريس)

تعكس وصفات خبز «الباجيت» الفرنسي الخالدة هوية أبناء شعبه وثقافتهم. إنه شريك حقيقي لجميع وجباتهم، وجزء من نمط عيشهم، يجسّد بمكوّناته روح الأرض ومائها. تعدّت شهرته الحدود الفرنسية حتى وصلت إلى جميع أنحاء العالم، حيث قدّم في كل أمكنته الجديدة لمحة عن الذوق الفرنسي في الطعام، إذ تحكم وجوده على المائدة طقوس خاصة بدءاً من طريقة الخبز والتحضير، مروراً بكيفية تقطيعه وتقديمه، وصولاً إلى طريقة تناوله. فضلا عن أنه لكل وجبة مزاجها من خبز «الباجيت».
وترجع أصول خبز الباجيت بأبعاده الحالية أي بطول 70 سنتيمترا، ووزن 250 جراما، إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في بداية العشرينيات عندما وقع الفرنسيون في حب هذا الرغيف الهشّ والخفيف، ما جعل استمراريته أمراً حتمياً. حتى أن الاتحاد الوطني للمخابز الفرنسية أقر تنظيم مهرجان سنوي للخبز التقليدي في شهر مايو، احتفاءً به كمنتج حضاري، وامتناناً لتأثيره في حياة الفرنسيين. وتسعى فرنسا إلى إدراج خبز الباجيت على قائمة التراث العالمي الإنساني التي تعمل على إعدادها منظمة اليونسكو للعام 2021، بوصفه رمزاً من رموز الثقافة الفرنسية.
وتشير المؤرخة آن فانتال في كتابها «Le Pain» إلى أنه في العصور الوسطى كانت أرغفة الخبز في فرنسا دائرية كبيرة ومفلطحة قليلاً. واستخدم القمح لصنع أجود أنواعها وأكثرها ملاءمة للنبلاء. وأحيانا كان يتم إدخال الشعير ضمن المقادير. مع العلم أن الفروقات الاجتماعية كانت تنعكس على أنواع الخبز، ففي حين كان الخبز الأبيض مخصصاً للأثرياء، كان البني المحضّر من دقيق الشوفان وأحياناً الكستناء للطبقة الدنيا. أما الفلاحين فكانوا يحلمون بتناوله أصلاً. وكتبت إن «الخبز كان أحد أسباب اشتعال الثورة الفرنسية في العام 1789، حيث أدّى حرمان كثير من الفرنسيين منه إلى اندلاع حركات غضب، حتى أن محتجين كانوا يهاجمون المخابز ومنازل الأثرياء للحصول على الخبز أو القمح».
من جهته، يؤكــد الخباز لارجو أدير، الذي يعمل في مخبز (Y M) شمال باريس، أن خبز الباجيت سيظلّ متوارثاً عبر الأجيال لأنه لا يمكن للفرنسيين الاستغناء عنه، مشيرا إلى أنه تقليد أصيل حاضر على موائدهم منذ عشرات السنين. ويقول إن شبابا، وهو أحدهم، يقبلون على تعلّم مهنة الخبز بوصفها من التراث أولاً، وكونها مطلوبة ثانياً.
ويشرح أن عملية صنع الخبز ليست صعبة، وكل ما يتطلبه الأمر الالتزام بدقة المقادير، وطريقة العجن، وأن يستمتع الخبّاز بالتحف الفنية التي يكوّنها بين يديه، مستدركا أنها ليست سهلة في الوقت نفسه لأنها تتطلب مجهوداً جسدياً يمتد من الساعة السابعة صباحاً وحتى السابعة مساء.
وعلى الرغم من أن مكونات تحضير خبز الباجيت بسيطة جداً، إذ أنه يتكوّن من الدقيق والملح والماء والخميرة، إلا أنه استطاع أن يجذب أشهر طهاة العالم لتحضيره وفق نكهاتهم التي تميّزهم، من دون أن يفقدوه نكهته الأصلية أو هيئته المستمدة من التاريخ الفرنسي عبر العصور. مع العلم أنه ليس من السهل أبداً إتقان هذا النوع من الخبز نظراً لما تتطلبه من مهارات وموازنة دقيقة بين المكونات حتى ينتج ضمن معاييره الصحيحة.
وتزدحم كتب الطبخ والمواقع الإلكترونية المتخصصة بفنون الطهي بوصفات لا حصر لها من استخدامات الخبز الفرنسي. فهو يستخدم كمقبلات مع بعض الأطباق الجانبية مثل الزبدة والعسل والمربيات وغيرها من الصلصات الحلوة والمالحة، وكسندويشات محشوة بأصناف هائلة من الأطعمة. وليس غريبا أن تشاهد المارة في الشارع من الفرنسيين أو السياح يأكلون خبز الباجيت من دون إضافات، فرائحته التي تفوح من المخابز، ومنظره الشهي الذي يتصدّر الواجهات، يجعلان من الصعب مقاومته وخصوصا لو كان ساخناً قد خرج من الفرن للتو!

انخفاض الاستهلاك
تلفت الباحثة فانتال في كتابها «Le Pain» إلى أن استهلاك الخبز في فرنسا آخذ بالانخفاض منذ القرن التاسع عشر، ففي مرحلة الثمانينيات منه، كان الفرد يتناول ما بين 700 و800 جرام يومياً، بينما في الوقت الراهن لم يعد يتناول أكثر من 160 جراما، مرجعة السبب إلى أن المجتمعات تتوجّه اليوم نحو المنتجات الاستهلاكية باهظة الثمن وفي مقدمتها اللحوم. فضلاً عن أن التقنيات المتطورة التي دخلت على عملية العجن والخبز، أفسدت المذاق الأصيل لخبز الباجيت.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©