الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بنات النوخذة.. عذابات النساء وأحلامهن المغدورة

بنات النوخذة.. عذابات النساء وأحلامهن المغدورة
23 مارس 2019 01:35

إبراهيم الملا (الشارقة)

في حضورها الأول كمخرجة بمهرجان أيام الشارقة المسرحية، وتجربتها الثانية في إدارة الخشبة ببنيتها السردية وتكوينها الأدائي، تطرح الفنانة والمخرجة الإماراتية إلهام محمد قضية الاستبداد الذكوري والقمع الاجتماعي من جانبها الأكثر انحيازاً للرمز واللمح والإشارة مع الاستعانة بإشارات قليلة وخاطفة تشير إلى هوية المكان، وملامحه القديمة بالأحرى، لأنها إشارات نابعة من عنوان العرض ذاته، ومستندة على مقدمته الغنائية والموسيقية الموصولة بصوت «اليامال» ببعده التراثي والفلكلوري وهو يخترق أمواج البحر كأثر غامض ولكنه ملموس، لأنه أثر طاغٍ، يعلن عن مشروعية وجوده، وعن قوة سلطته، وامتداد هيمنته أيضاً على الأحلام المؤجلة لثلاث بنات اغتيلت أنوثتهن خلف حوائط عالية، ووراء جدران سميكة، وداخل سجون ضاجّة بالخفايا والأسرار.
عرضت مسرحية «بنات النوخذة» على خشبة معهد الفنون المسرحية بالمنطقة القديمة بالشارقة، في ثالث أيام الدورة التاسعة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية، وهي من تأليف الكاتبة باسمة يونس، ومن إنتاج فرقة مسرح خورفكان للفنون، وبعيداً عن التصنيفات القاطعة والمانعة بين الأنثوي والذكوري، فإن الوجود النسوي المكثف في العرض وفي الكواليس كان هو الوجود الأكثر التصاقاً بالحالة الفنية والمسارات الحكائية والكتلة الأدائية المحتشدة في حيثيات وثنايا وعمق الخشبة.
فمن النص والإخراج والأداء التمثيلي وتصميم الديكور والأزياء والمكياج وحتى تصميم الكتيب، كانت اللمسة الأنثوية هي الأعلى كعباً هنا، والأكثر حضوراً، وليست مصادفة أيضاً أن موضوع المسرحية ارتكز أساساً على هواجس المرأة وأحاسيسها وتفاصيل يومياتها، ولكن من الجهة الأكثر انتماء لمحاكمة الذات الأنثوية، وتحليل دوافعها الانهزامية، وخضوعها لشرط الإقصاء والتستر والاستسلام لما يفوق قدرتها على المقاومة.

مشهد من مسرحية بنات النوخذة (تصوير: متوكل مبارك)
فوسط أجواء داكنة وأزياء غرائبية وملامح شبحية تتشكل حكاية الأخوات الثلاث، أو بنات النوخذة، وهن يصارعن جاذبية نداءين متضادين، النداء الأول اندفاعي لإغراءات الحرية والجرأة والانطلاق، والنداء الثاني محكوم بالخوف والتردد والثبات وعدم الرغبة في التغيير، وداخل هذه التمزقات الحسية تتوالد ذاكرات وأصداء وحكايات ومواجع، تترنح بين عشق مؤجل، وعاطفة مغيبة، ورغبات معطّلة، يصيغها هنا الأب (الحاضر/‏الغائب) الذي يتنفس الموت في ضلوعه، ولكنه عصيّ على الاندثار.
فبين آمنة وعلياء وسارة وعيسى والأب (النوخذة)، ثمة مسافات وأبعاد وعلاقات تلتمّ وتتقارب، ومسافات أخرى تتفرق وتتباعد، الأخوات الثلاث يجمعن همّ مشترك، وتحوم حولهن أطياف كابوسية محايدة وصامتة ومخيفة في الوقت ذاته، بينما يقبع الأب في خلفية المشهد باستمرار، ولكن حضوره المهدد للبنات دائم ومقيم في المكان وفي اللاوعي ويطارد البنات حتى في أحلامهن، أما عيسى فهو بمثابة «المخلص» في حضوره الوهمي و«المخدوع» مثل البنات في حضوره الحقيقي، لأن من يدخل البيت الخرب للنوخذة لابد أن تصيبه لعنة العزلة، قسراً لا اختياراً، وعليه أن يتكيف مع هذه العزلة، حتى وإن أدت إلى سحقه واعتباره جسداً منطفئاً ومترمّداً لأقصى حدّ يمكن تخيله.
عانى عرض «بنات النوخذة» من ثغرات واضحة في الدراماتورج، ولم يكن الأداء التمثيلي معالجاً للشعرية المبالغ بها في النص المكتوب، وكانت الخاتمة غامضة وتأويلاتها متشعبة، فلم يكن واضحاً مصير الأخوات الثلاث، ولم يكن وجود الأب كجسد خافت في عمق الخشبة مقنعاً، حتى أن وجود الأشباح حول الأجساد الحقيقية للشخصيات الرئيسة، ألغى التصورات الممكن قبولها حول الخدعة الكبرى للعرض، وهي أننا وطوال الوقت، كنّا نصغي لحديث الموتى من دون أن نستشعر فناءهم، أو أن ننتبه للحفلة التنكرية المنبعثة من العدم، وهذا القطع غير المبرر بين الواقعي والمتخيل خلق حيرة مشهدية ومعضلة تفسيرية لكل ما شاهدناه على الخشبة قبل اللحظات المربكة في اللقطة الختامية للعمل. وحدها السينوغرافيا التي صممتها الفنانة «نصرة المعمري» كانت الأكثر انتباهاً وتوافقاً مع الجو العام للعرض، خصوصاً مع اعتمادها الديكورات المتحركة التي صنعت الديناميكية المطلوبة والموازية لحركة الممثلين، وكانت الأزياء وعمليات المكياج موائمة هي الأخرى لطبيعة الشخصيات المركّبة، والمحطمة تحت ثقل غربتها وغرابتها وانتمائها الكامل للخوف والبؤس والحرمان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©