الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

روبيرتو بوليانو.. محاربة الشرّ بالدعابة والتبجيل الأخلاقي

روبيرتو بوليانو.. محاربة الشرّ بالدعابة والتبجيل الأخلاقي
2 ابريل 2020 00:09

أحمد عثمان (باريس)

روبيرتو بوليانو (1953-2003)، شاعر أولاً. هكذا يتبدى في الجزء الأول من أعماله الكاملة التي صدرت بالفرنسية بترجمة روبير آموتيو وجون-ماري سان-لو، عن مطبوعات لوليفييه الباريسية، مما يمكن قرّاءه من اكتشاف إبداعه الشعري الذي يمضي عبر كتاباته، حتى الروائية.
في الواقع، هناك شعر متستر خلف رواياته، وهناك أيضاً روايات غير كاملة في شعره. إذ يمارس بوليانو الشعر كشكل «خلاسي». المقاربة العرضانية هي المعتمدة في هذه الطبعة الفرنسية التي ضمت جانباً معتبراً من قصصه وروايتين قصيرتين: «آموليتو» و«نجمة بعيدة»، علاوة على قصائده. في الواقع، يتمحور جانب كبير من هذا الجزء على مشروع بوليانو «الجامعة المجهولة» الذي ضم كثيراً من شعره ونشر بعد وفاته.
بالنسبة لبوليانو، الأدب عمل جاد، مسألة حياة: الكتابة والقراءة والحياة شيء واحد، نواة تقاوم عنف التاريخ وآلامه، وغياب المعنى والنسيان. كل شيء، حتى النثر والحياة نفسها، يخدم الشعر. لدى بوليانو، من اللازم أن يمتلك الشاعر «شجاعة» هجران كل شيء لكي يكرس حياته كلها له، ويقذف بنفسه في الشوارع، كما قال في بيانه «تحت- واقعية» في 1976.
غادر وطنه، وهذا المنفى كان ضرورياً، حاجة أخلاقية ولا علاقة له بأي نوستالجيا: «هل يمكن أن تتملكنا نوستالجيا أرض وجب أن نموت فيها؟ هل يمكن أن تتملكنا نوستالجيا الفقر، عدم التسامح، السيطرة، الظلم؟». وهكذا، تماهى المنفى مع سعي المرء إلى أن يكون غريباً دوماً، مقاوماً للنزعة القومية، وأيضاً مقاوماً لرفاهية الوضع المستقر. طوال حياته، ظل وفياً لمفهوم الشعر كتمرد وتخريب، وفيه وجد مصدره الحيوي الذي ساعده على اجتياز اليأس، الفشل، الهجران.
«غنائيتي مختلفة»، كما قال في إحدى قصائده، غنائية نثرية، قريبة من لغة الحياة اليومية، قريبة من كل الهامشيين. مخيلة يومية ورؤيوية تمنح شكلاً لهذه اللغة المتأرجحة بين المألوف والمتجاوز.
يتضمن هذا الجزء الأول من الأعمال الكاملة نصوصاً، «مسودات سردية»، وجدت في أرشيف الكاتب بعد وفاته، منشورة تحت عنوان «سر الألم»، ونصوصاً أخرى عمل بوليانو عليها خلال الأشهر التي سبقت موته. وهي نصوص غير كاملة، ليست بسبب ظروف تكونها فقط، وإنما أيضاً بسبب غياب طابع كتابة بوليانو: «هذه الحكاية بسيطة للغاية، ولكنها أيضاً من الممكن أن تكون معقدة. وأيضاً: حكاية غير كاملة، لأن هذا النوع من الحكايات لا نهاية له»، كما كتب في مقدمة الطبعة الإسبانية الأصلية.
عدم الاكتمال، هنا، طريقة لتوضيح مدى الخوف، كما في نهاية «نجمة بعيدة»، حيث الخوف ينهي حياة الشخصيات، وكذا سطر الكتابة نفسه.
على مدار صفحات هذا الجزء من الأعمال الكاملة، المزمع إصدارها في ستة أجزاء، يرفع روبرتو بوليانو سلاحه المفضل تجاه الشر، التبجيل الأخلاقي وأيضاً: الدعابة، هذه الوسيلة المثلى للسخرية الذاتية، التي توقظ حسنا النقدي وتدعونا إلى البقاء حذرين إزاء كوابيس الواقع أو الفن – الذي أفسدته الأيديولوجيا – وإلى معرفة قراءة العلامات وفك شفراتها في آنٍ معاً.

(*) Roberto Bolaño، Œuvres complètes، vol. 1. Trad. de l’espagnol (Chili) par Robert Amutio et Jean-Marie Saint-Lu. L’Olivier، 1 248 p.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©