الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كيف يموت الشخص أدبياً في مجتمعه؟!

كيف يموت الشخص أدبياً في مجتمعه؟!
20 ابريل 2019 01:56

نوف الموسى (دبي)

أتساءل بينما أقرأ رواية «ميتَتَان لرجَل وَاحد» للروائي جورج أمادُو، لدار مسكيلياني للنشر والتوزيع، ماذا يعني أن يموت الشخص أدبياً، مجتمعياً، ثقافياً، أخلاقياً، لا أدري، وربما أيضاً فكرياً وفلسفياً؟ هل يصل الإنسان أن يكون فكرة في لحظة ما، ويجب عليه أن يموت في حضوره بمجتمعه ومحيطه، قبل أن يموت جسدياً بشكل فعلي؟
في الحقيقة السؤال أخذ مدى أوسع، فمثلاً يمكننا ربط الموت الأدبي، إذا جاز التعبير، بمسارات عدة، منها حدس داخلي لدى الفرد في اتباع صوته الداخلي، والمفارقة أن هذا الصوت القريب من الهمس، قد يكون موجوداً في كل فرد، إلا أن درجة الاستماع لمستوى هذا الصوت الداخلي تختلف من شخص إلى آخر، ما يعني أن درجة تغير الفرد تعتمد على قدرته في أن ينصت لنفسه من جهة، وأن «يدرك» في وعيه أساساً بأن هناك صوتاً خافتاً من جهة أخرى، سيستمر في المناداة.
والمفارقة أن حكاية موت «كينكاس هدير الماء»، الشخصية الرئيسة في الرواية، استمع إلى صوته الخافت بعد سنوات طويلة من التجاهل، مخلفاً بذلك انقلاباً أقرب إلى التمرد التام في شخصيته، من أب محب إلى بوهيمي صعلوك هائم على وجه الحياة !
عادةً يخلف انصاتنا لصوتنا الداخلي تغيراً كبيراً على مستوى الطريقة التي نرى بها الأشياء، تتهشم معظم الحدود المجتمعية الوهمية، حول ما يود الإنسان فعله في حياته، تشبه تلك اللحظة التي وصف فيها الروائي جورج أمادو، ابتسامة «كينكاس هدير الماء»، التي كانت تعبث بكل شيء من حوله، خاصة عندما جاءت عائلته لتحضير مراسم دفنه، وتنفست الصعداء لأنها أخيراً ستتخلص من ثقل السمعة السيئة: «وفي الواقع فإن «كينكاس» كان يضحك من هذا كلّه، وكانت ضحكته تكبر وتنتشر، ولن تلبث خلال وقت قصير أن تُدوّي في هذه الغرفة البائسة! كان يضحك بشفتيه وعينيه مصوباً نظراته إلى تلك الكومة القذرة من القمامة، تلك الملابس المرقّعة الوسخة المنسيّة في إحدى الزوايا من قبل رجال وكالة الدفن.. إنها ضحكة «كينكاس هدير الماء» المعهودة، وكل تفصيل فيها يحمل إهانة صريحة متلاشية في الصّمت الجنائزي الذي فرضه الموت».
لماذا التفكير بالموت الأخلاقي أو الأدبي يجب أن يأخذ محط نقاش في مجتمعنا المحلي، ما هو الأثر الذي ستلقي به قراءتنا لرواية جورج أمادو. نتذكر على سبيل المثال، في بداية الثمانينيات، عندما تغنى شعراء من الإمارات بكتابة قصائد حداثية، واصفين إحساسهم بالهامش، الذي ألقى بظلال بعضهم نحو الانزواء وشعوره بالموت الأدبي، بسبب حالة التغير المستمرة لما يودون التعبير عنه، والمقاومة المجتمعية لأي تغير آنذاك.
ومن يتأمل المجتمعات، ذات وتيرة التغير السريعة، مثلما هو مجتمعنا المحلي، سيواجه فيه الكثير من أزمات الموت الأدبي، فالمرأة مثلاً تشكل إحدى تلك المواجهات الأبرز في خوض مواجهة مباشرة مع ما يمكن اعتباره موتاً أخلاقياً، ومسألة حقوقها وحريتها الشخصية، و(نموذجاً) على ذلك مسألة «الطلاق»، في بداية قلة الوعي بضرورتها، كانت تصنف موتاً أدبياً للمرأة، مع الوقت تجلى قبوله، لكونه حقاً إنسانياً. ولكن السؤال الملح: إلى أي مدى ندرك تلك الآثار التي تسببت بها مسألة الموت الأدبي، برغم استمرارها بوتيرة ربما أقل من السابق: هل نحن قادرون على الإنصات بشكل واضح لشظايا الموت الأدبي في مجتمعاتنا؟!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©