الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

معارض الكـتاب.. تعيد القراءة إلى نبعها الأول

معارض الكـتاب.. تعيد القراءة إلى نبعها الأول
30 ابريل 2019 01:49

هزاع أبوالريش (أبوظبي)

في مشهد سنوي متكرر يتجدد في أغلب دول العالم، تفتح معارض الكتاب أبوابها، وتزهر أروقتها في أجواء تنوع فكري حافل، من الإصدارات والإبداعات والأفكار التي تبحث عنها العقول في كل حدبٍ وصوب من المعرض. فيما تبدو الفراشات، في معارض الكتب، مثل فراشاتٍ محلقة في حقول المعرفة باحثة عن روائح الأوراق اليانعة، المعشوشبة بازدهار الكلمة، واخضرار أغصان المعرفة الباسقة وارفة الظلال.
ومع حضور المعارض بشكلٍ سنويٍ متكرر، تبقى التساؤلات عالقة في أسقف المكان، متدلية مثل عناقيد العنب: هل المعارض إحياءٌ لعهد الكتاب وإنقاذٌ للثقافة والفكر من التراجع في زمن طغيان الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟
تساؤلات عدة يطرحها الذهن، وتغيب أغلب الأجوبة عن البال خلف رفوف الكتب المركونة في أرجاء المعرض وزواياه القصية، في انتظار من يزيح الغبار من على دفتيها، فهل يمكن التعويل على معارض الكتاب لتكون طوق النجاة للكتاب، لاستعادة حضوره فينا، في ظل الإقبال المتزايد على وسائل القراءة الإلكترونية في المحمولات والموبايلات وغيرها من أجهزة الشاشات؟ هل تعيدنا إلى نهر المعرفة الأول، هل تعيد القراءة إلى نبعها الأول؟

يؤكد حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، أن معارض الكتاب تعتبر إحياء للكتاب وما يحتويه، وأغلب المعارض أثناء حدوثها تتحول إلى معارض شعبية ومنها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حيث يتم التقاء الكتاب والأدباء في هذا المكان، والتعرف على الأفكار الجديدة وآخر الإصدارات، وهناك الكثير من النقاشات والحوارات والإصدارات أيضاً التي جاءت بفكرة ومصدرها المعرض نفسه.
وتابع: كثير من الناس يعتقدون أن معارض الكتب معنية فقط بعرض الكتب وبيعها والترويج لها وكل ما هو موجود في المعرض عبارة عن أرفف الكتب، لكن المعارض أكثر من ذلك؛ اليوم أصبحت المعارض عبارة عن عرس ثقافي متنوّع بالثقافة والمعرفة والفكر والترفيه أيضاً، فهناك الفعاليات والندوات والأمسيات والمسابقات وإلى آخرها، كل ذلك يؤسس رؤية جديدة تواكب المستجدات الزمنية الراهنة وتبني آمالاً مشرقة تجذب الجيل الجديد، وتقربه للتواجد والمشاركة والحضور في هذه المحافل الثقافية.

تقليد حضاري وإنساني
وتحدث الناقد والباحث سلطان العميمي: في رأيي أن المعارض لا تحيي الكتاب، لأن الكتاب لا يموت وسيظل باقياً موجوداً بقيمته الرفيعة وحضوره الملهم. ومعارض الكتاب أصبحت اليوم تقليداً إنسانياً في المقام الأول ومن ثم تقليداً حضارياً، وليست تقليداً تجارياً، وهي جزء من عملية التنمية للمعرفة والثقافة والحضارة نفسها، لافتاً إلى أن المشاهد التي نراها في معارض الكتب تؤكد أن القراءة لا تزال تحظى بمكانة مرموقة في حياة العرب، وربما هناك طمع ورغبة في أن يكون الأقبال أكبر على معارض الكتب، ولكن في خضم هذه الحياة ومشاغلها والمليئة بالمتغيّرات لا يزال الكتاب يلقى نصيبه من وقت الشريحة الأكبر التي تحضر مثل هذه الفعاليات الثقافية والمحافل الدولية المعنية بالثقافة والفكر.

سبب لبقاء الكتاب
وأشارت الكاتبة والإعلامية شيخة الجابري، إلى أن صلة تربط ما بين الكتاب والفكر، فدائماً إنقاذ الثقافة والفكر يأتي بوجود الكتاب ولا ثقافة دون كتاب أو مضامين توطد قيمة الفكرة ومحتواها الرصين. لا نتجاهل أن الكتاب ربما يعاني من الوحدة، والثقافة تمر بمرحلة صعبة في ظل التطور التقني والقرية الواحدة، والعاصوف المعلوماتي الذي يأتي لنا من كل الاتجاهات ليجعلنا أكثر عزلة عن الواقع، وأكثر بعداً عن الكتاب وما يتضمنه ما بين دفتيه.
وتابعت الجابري: الكتاب رغم كثرة محبيه، قد يواجه أزمة، في فترة ما، إذا لم تستمر هذه المعارض التي تروج له، بالإضافة إلى تقديمه بحلته الجديدة والمتطورة والحديثة التي تواكب التطورات التي يشهدها التاريخ. متمنية من المعارض أن تحيي النشاطات والفعاليات التي تحاكي الجيل الجديد من واقع وعصر، ولا نكتفي فقط بزيارة طلاب المدارس، وإنما نستثمر طلاب المدارس في تقريب الكتاب إليهم بعدة طرق ووسائل من خلالها نزرع قيمة الكتاب في نفوس الشباب، وفي ذلك نحقق الهدف الأول، وبالتالي إذا تحقق الأول سيتحقق الآخر لا محالة.

تحافظ على الكتاب
وقال الفنان التشكيلي والخطاط محمد مندي: معارض الكتاب أصبحت اليوم روتيناً سنوياً متكرراً وتحمل رسائل عدة ومضامين كثيرة وأهمها الحفاظ على قيمة الكتاب، وترسيخ دور الثقافة والفكر والمعرفة من خلال حضورها السنوي، لإعادة صياغة واقع ثقافي ملهم، ومهم في الوقت نفسه. وأضاف مندي: الكثير من الناس لا يدركون مدى أهمية هذه المعارض الثقافية ولا يعلمون ما تضفيه من ثوابت وأسس بناءة تخدم الثقافة، ودائماً يقارنون ويربطون التطورات الإلكترونية الحديثة بالمعارض التقليدية ولا يدرون أن مثل هذه المعارض ترسخ قيمة حيوية ثقافية في المجتمع، وتؤصل عمقاً فلسفياً في وجدان الناس مع مرور الوقت والزمن لتنتشي الثقافة وتستعيد قوتها وعافيتها وصحتها.

عظمة الكتاب
وقالت الأديبة فائقة النعيمي، عضوة في مؤسسة بحر الثقافة: بِلا شك، تساهم معارض الكتاب في تطور الأفكار ونموّها وازدهارها من خلال التقاء العقول تحت سقفٍ ومكانٍ واحد، وكل ذلك يصب في خدمة الثقافة. وهي تساهم في إحياء قيمة الكتاب الورقي في ظل وجود التقنيات الحديثة وسهولة الوصول إلى الكتب الإلكترونية، وتبرز مدى عظمة الكتاب ورونقه الزاهي بأوراقه الصفراء وخطه الدقيق الباهت. مشيرة إلى أن معارض الكتاب تعتبر مساهماً أساسياً وفاعلاً في إحياء جمالية الكتاب، وإعادة صياغة مفهوم الفكرة وبنائها بتنوع العقائد واختلاف المبادئ التي تصب في مضمون الإصغاء واحترام الآخر.

محفل ثقافي
وأشار الكاتب جمال الشحي، إلى أن كل شيء في الحياة يصاب بفترة ركود، فالثقافة مثل الاقتصاد قد تمر في مرحلة من الركود بعض الشيء، ولكن لا تندثر ولا تتلاشى ولا تختفي، وصعب جداً أن تغيب، في ظل وجود المحافل الثقافية، والحوافز التي تُشجع على استمرارية عجلة الثقافة في الدوران والمضي قدماً بالأفكار اليانعة. قد تبدو بعض المعارض الدولية المعنية بالكتاب تشكو من قلة حضور الزوار إليها، لأنها تمر في فترة من الركود الثقافي، ولكن لا يعني ذلك إلغاء أهميتها وإقصاء فكرة المعرض نفسه، بل إن معارض الكتاب ستبقى رمزاً شامخاً في إرساء الفكرة الثقافية، وإحياء مفهوم القيمة الورقية مع الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©