الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مثقفون: نحن البديل عن الثقافية الرسمية

مثقفون: نحن البديل عن الثقافية الرسمية
27 يونيو 2019 00:01

يُسجل التاريخ أن المدارس الفلسفية والمجالس الفكرية والملتقيات الثقافية؛ عُرفت قبل الميلاد بآلاف السنين. فثمة آثار ورسوم ولوائح ومخطوطات وكتب وصلتنا عن الفراعنة والسومريين والآراميين والفينيقيين والإغريق والرومان، تُظهر مجالسهم الثقافية، التي عرّفتنا بحضاراتهم وميولهم الفكرية وطروحاتهم الثقافية؛ ولعل في لوحة Scuola di Atene للفنان رافائيلو سانزو 1909عن تجمّع لفلاسفة ومفكرين ومبدعين بينهم مسلمون وعرب، ما يشير إلى تلك المجالس، التي يماثلها في عصرنا الحالي الملتقيات الثقافية والصالونات الأدبية الخاصة.

ظهرت الصالونات الثقافية العربية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت بالتزامن مع حركات التحرر والاستقلال وقيام الدول، منها في مصر والمشرق والمغرب العربي، وصالونات أخرى مماثلة في الكويت والمنامة والشارقة وغيرها. أدت دوراً نهضوياً وحضارياً، وحررت وعياً مجتمعياً يعمق النظرة إلى الثقافة بوصفها خلاص جماعي لا فردي. وارتبطت تلك الصالونات زمن الحروب والاستقلال، بمحاولات استعادة أسئلة الهوية والإبداع والتاريخ والذاكرة. لتشهد نهضة ثقافية وسياسية وأدبية كانت ترهص بالتنوير وبأسئلته ومحاكاة الوعي الجمعي. فهل أدت الصالونات الثقافية التي انبثقت مؤخراً خلال الحرب في سوريا، ذات الأدوار التنويرية ونشر الثقافة والإبداع والوعي بين الناس، أو حملت هوية ومنهجية تسعى إلى ارتدادات مستقبلية، أو أسس وركائز مغايرة للثقافة الرسمية الحكومية؟

الهروب إلى الثقافة
الوقوف على ظروف نشأة الصالونات في السنوات الثماني الأخيرة في سوريا، يُمكّننا من تصنيفها ومعرفة الأدوار التي قدمتها في ساحة الثقافة. ولعل الصالون الذي أسسه الدكتور ميخائيل يوسف، مع اشتداد أوار الأزمة السورية في عام 2012 يأتي في أعلى قائمة تلك الصالونات والمجموعات الثقافية. التي تم إشهارها تبعاً لظروف يشير إليها د. يوسف «توافدت إلى منطقة «وادي النضارى» في حمص أعداد كبيرة من أبناء المدن، فاكتظت المنطقة بالوافدين إليها الذين كانوا يرتادون مقاهيها ويشتد النقاش فيما بينهم حول الأوضاع في سوريا على كل الأصعدة. فأقمنا حلقات نقاش وحصل تجمّع تلقائي وعفوي لثمانية أشخاص من الوسط الثقافي، بينهم عالم آثار وشاعر وفنانة نحت ورسامون وأطباء ومهندسون جميعهم مهتمون بالثقافة، فتوافقنا على تنظيم صالون ثقافي ظهيرة كل يوم أحد في صالة أحد الفنادق. وتَمثل هدف المجموعة بداية بضرورة الهروب إلى الثقافة لتجاوز الهموم والأحزان والآلام، ثم خشية على الثقافة من التهميش في ظل الظروف السائدة. عبر برنامج الاهتمام بالثقافة بكافة فروعها بعيداً عن نشرات الأخبار! فتنوعت أنشطة الصالون بدءاً من إلقاء محاضرة في موضوع ثقافي معين، أو حول تجربة إبداعية، أو قراءات شعرية، فالصالون كان «ثقافي بحت» دون الدخول في عالم السياسة إطلاقاً! وتنوعت المواضيع بين التراث والأوابد التاريخية والطب والعلوم والفكر والآداب بأنواعها وجلسات نقد أدبي وجلسات فنون تشكيل ونحت. ونادي قراءة في نتاج بعض الأدباء بحضورهم، للوقوف على تجاربهم الإبداعية».
إنما لظروف الحرب وتوابعها قول آخر! إذ طرأت بعض التغييرات يقول عنها «استمرت مجموعتنا حتى عام 2013، واضطررنا بسبب عدم توفر ترخيص للصالون في تلك الظروف وبسبب هجرة البعض منا خارج الدولة أو عودته إلى مدينته. إلى نقل موقع صالوننا إلى المركز الثقافي في «مرمريتا» وما زلنا نجتمع في ذات التوقيت (ظهيرة الأحد) إنما في إحدى صالات المركز الثقافي».

رافد لا بديل
خلال تلك السنوات العجاف أغلقت عدة صالونات ثقافية. لكن في الآونة الأخيرة. ظهر صالون الأستاذة رياض نداف، تقول عنه «أطلقت الصالون لأن علي مواجهة الحرب والموت لا الاستسلام. ولم يكتف الصالون بتقديم نتاج الأصدقاء وإنما عالج موضوعات مهمة كالأجناس الأدبية واستلاب المرأة في ظل المجتمعات المتخلفة. المراهقون في زمن الحرب. كما قدم أبحاثاً متنوعة منها عن الرومي، وأبحاث موسيقية ترافقها مقطوعات تراثية. فنحن نرد على الحرب والجهل والتخلف والتقليدية بلقاءاتنا على طاولة المعرفة والثقافة والإبداع والمحبة. ونتاجات الأصدقاء تجمعنا، لذا نؤكد بكل وعي وإيمان وثقة بأن الكل في»الصالون«يسعى إلى تكريس ثقافة تعمل على تنوير الفرد ونشر الوعي وفتح آفاق تأملاته».
تضيف ندّاف «هناك أدوارا عديدة يقوم بها الصالون، مثلا قامت الأيقونات الثقافية في حلب «المقهى الثقافي» و«منتدى رياض ندّاف» و«صالون أديل الأدبي» احتفائية لمناسبة يوم الشعر العالمي، ويوم المسرح العالمي. وقام بعض الأدباء والروائيين والمسرحيين بتقديم بحوث عن المسرح العالمي وتاريخه. وأنشطة الاتحاد الوطني للطلبة في المسرح. بينما لم تقم أي من المؤسسات الثقافية الرسمية بنشاط ثقافي احتفاءً بالشعر والمسرح»!
قد لا تكون هذه الفعاليات القيّمة منوطة بالضرورة بصالونات! في ظل وجود وزارة تُعني بالثقافة واتحادات رافدة لها! هل يُشكل بذلك صالون رياض ندّاف منتدى رياض بديلاً عن ثقافة مؤسسات الدولة؟ تجيب نافية: «لا لسنا بديلاً، رغم أن هذه المؤسسات لم تنشط بالشكل المناسب وتقوم بدورها! نحن رديف مهم جداً، لكن تقاعس المؤسسات الثقافية ملاحظة علينا الوقوف عندها ومعالجتها».

بل نحن البديل
ثمة مؤسس ثالث لأحد الصالونات الثقافية، لكنه ذو منشأ ديني روحي صوفي. أشهره قبل ثلاثة أعوام الأستاذ مروان الصافي، مدرّس في مجمع الفتح الإسلامي بدمشق. يقول: «لابد من الاعتراف بأن الوضع الثقافي في سوريا قبل الحرب كان منفتحاً ورائعاً وثمة هوامش من الحرية واسعة. إذ يكفي أنه لم يكن يُطلب»ترخيص«للصالونات. لكن بعد الحرب. ظهرت مخاوف عديدة، وثمة رأي بأن الثقافة مهام تتكفل بها وزارة الثقافة. فالخطاب السياسي بات يؤثر على كافة المفاعيل. لكن في صالوننا الثقافي ما يُلزم السياسي لا يُلزمنا. نحن البديل والأصيل الحر المتفتح على الثقافة، بدليل أن هناك أبناء من الطائفة المسيحية أعضاء في ملتقانا وثمة رجال من الدين المسيحي قدّموا محاضرات عن الرسول (ص) وآخر قدّم ندوة عن الفلاسفة العرب. وبذا نقدم أنشطة ثقافية تعجز عنها أحياناً وزارات الثقافة والإعلام والفنون».
استيضاحاً لعبارته الأخيرة، إن كان ثمة عجز لدى الوزارات! أو معوقات تصادف عمل الصالون أو الملتقى خاصته، يقول: «في زمن الثقافة المعلّبة وتجاهل لأسماء مهمة في عالم الثقافة، المؤسف أن تكون وزارات الثقافة في معظم دولنا العربية، تماثل في آلية عملها باقي الوزارات الأخرى التي تعتمد على الثقاة وتتجنب الكفاءات! لذلك حين تجنبونا، أطلقنا صالوننا الخاص، ونكتفي بنشر المعرفة والتنوير بين الرواد والأعضاء الذين ينقلون تلك المعارف لمعارفهم».

خير وجمال
ذاك ما يراه بعض مؤسسي المنتديات والصالونات الثقافية. لكن للمشرفين عليها رأي مغاير أحياناً. فالشاعرة سميا صالح ترى أنه «قد يتشابه دور الصالونات ولكنها تختلف بحسب المريدين ومن يعملون فيها. لذلك لا يمكن المقارنة بين دورها في مطلع القرن الفائت ودورها الحالي من ناحية الدور التنويري الذي قامت به سابقاً والدور المنوط بها حالياَ. فهذه المنتديات الحاليه تعتبر رافعة للأدب والأدباء المشاركين بها، وهي الأم للإبداع وتداول الأفكار بغياب أي منابر أخرى وتراجع دور الصفحات الثقافية في الصحف المحلية! خاصة أننا في زمن الحروب التي تمر بها المنطقة. لذلك انطلق منتدى بانياس الثقافي بفعاليات وأنشطة يتفق عليها ويتم التنسيق لها عبر مجلس مؤلف من عدد من الأدباء البارزين في المدينة، بحيث تتناول كافة المواضيع الثقافية من فكر وفنون وآداب وتراجم جميعها تصب عند فكرة ثقافة الخير والجمال».
وعن عملها كمشرفة في الصالون تقول: «أشرف على التواصل مع الأدباء لحضور الفعاليات وتقديم الأنشطه مع الأدباء والمفكرين، وتنسيق المواعيد وطرح أفكار الأمسيات، وما الموضوع الذي يشغل الناس لنطرحه ونناقشه، لئلا نكون في واد واحتياجات الناس الثقافية في واد آخر. فهاجسنا الأهم التمسك بأهداب ثقافة الحياة الجميلة والحب والخير والسلام، لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

تكريس المكرّس
يبدو أن حظوظ معظم المواهب الإبداعية الشابة، تعاني من التعتيم الإعلامي «الرسمي» سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً. وتنسحب هذه الحظوظ السيئة على وجود هذه المواهب في الصالونات الثقافية! لأن سياسة «تكريس الأسماء» مُتّبعة لدى الفريقين! الحكومي العام، والصالونات الخاصة. بهذا الرأي خرجت الشاعرة سماح القليبي من تجربتها مع الصالونات الثقافية. تقول في ذلك «لي مشاركات مع بعض الصالونات أو الملتقيات الأدبية، والتي لها الدور الأكبر في فتح الأبواب أمام المبدع المغمور الذي لم يجد فرصةً للظهور الإعلامي وتغطية تجربته الإبداعية مهما كان حقيقياً! لأننا وعلى مدار عقود طويلة كنا نتابع ونمجّد فقط بعض الأسماء المعروفة التي تتكرر دوماً في الشعر والرواية والقصة والمسرح! من مبدأ تكريس المكرّس سواء كانت تستحق لأنها تواصل إبداعاتها، أو لا تستحق المتابعة لأنها ضمنت مكانة في القائمة وصارت من»النخبة«وأمست تستسهل في الطرح. ورغم ذلك تُكرسهم وسائل الإعلام لأنهم حققوا شهرة محلية وعربية. وأفردت لهم المنابر التي هي من الندرة إن لم نقل محظورة على أسماء أخرى، وجدت في الصالونات منبراً لها يشع إبداعها من خلالها، وتقف على آراء وملاحظات ونقد الحضور، مما يسهم في تطورها». ولا تركن القليبي إلى الدور الإيجابي للصالونات الثقافية بشكل كلي، بل تشير إلى سلبيات تعتريها «كما هي الحال في كل تظاهرة ثمة أخطاء يمارسها بعض المسؤولين عن الصالونات، كتقديم أسماء لا ترقى إلى المستوى الأدبي من ناحية، ومن ناحية أخرى تسهم العلاقات المعرفية والشللية في إظهار من لا يستحقون الظهور على حساب بعض المواهب الجيدة، وتكريسها، لنعود مجدداً إلى ذات الدائرة: تكريس المكرس»!

الكلمة الفصل
أرست الصالونات تقاليد ثقافية عززت مفهوم الحوار الثقافي والاجتماعي، وارتبط ذلك في سياقه التاريخي بحوامل ذاتية وموضوعية؛ بالحاجة للتعبير وإعلاء شأن الكلمة والتأسيس لنهضة أدبية راقية. فهل غابت تلك العوامل المهمة والمفاهيم القيّمة عن صالونات اليوم، يقول الأستاذ الناقد أحمد علي هلال «كانت الصالونات الثقافية في سوريا مضافة في تاريخ الحياة الثقافية والانفتاح وقيم العصر.
لكن إبان الحرب ظهرت صالونات وملتقيات تحت مسميات شتى أرى أنها ومن باب الانصاف على الأقل كانت حاجة مجتمعية أكثر منها حوامل للتنوير وإطلاق نهضة إبداعية بعينها! مع أنها دفعت إلى السطح تجارب أدبية وأسماء ظل القليل منها يمارس حضوره فيها أو في بعض المراكز الثقافية. واللافت أن من عوامل اخفاقها -وهي كثيرة- أن ملامحها غير واضحة لاسيما على مستوى ما كانت تقدمة من حضور شعري أو إبداعي فقد غلب الكم على النوع، ومن ثم لم تكن ثمة استراتيجية حقيقة ينطلق منها مؤسسو هذه الصالونات. فكانت محض استجابات عاطفية سريعة غير مؤسسة على أبعاد ثقافية! ومن الأسباب التي أدت إلى تعثر بعضها، اختلاط خطابها بما لا ينتمي للثقافة كفعل. كانت بمثابة صور للتواصل أكثر منها مأسسة للفعل الثقافي الذي يحتاج روافع تنتبه للقيمة وليس لما يخترقها. الحاجة للتجمع أكثر منها حاجة معرفية للارتقاء مجتمعياً وثقافياً. هذا فضلاً عن السجالات السلبية التي تركت أثرها عند روادها الأمر الذي أدى لسرعة انهيار بعضها، وماخلا القليل جداً منها ظل يمارس -على استحياء- حضوره الثقافي. والأدل حجم الشعر الذي كان العنوان الأبرز لها، فضلاً عن عناوين اجتمعت على قاسم مشترك لكنها اختلفت في كيفيات إدارة الفعل الثقافي واستقطاب المبدعين الحقيقين، لا الأدعياء والعابرون».
على الرغم من كل ما سبق، يسجل هلال لصالح الصالونات نقطة إيجابية «نجحت الصالونات باستقطاب شرائح مجتمعية كثيرة بوساطة خطاب ثقافي لافت، وإن لم تؤسس لحركة مجتمعية حقيقية، نتيجة أسباب ذاتية وموضوعية كثيرة بوصفها منظومة مجتمعية تعمل في ظروف الحرب. ولم تكن امتداداً للملتقيات في الماضي. فهي ردات فعل وشحنات عاطفية انفعالية أكثر منها رسالة إبداع وقيم».

أرقام وأحوال
* بلغ عدد الصالونات الثقافية عام 2010 نحو 33 في محافظات سوريا
ـ توقف نشاط 30 صالوناً ثقافياً في سوريا بعد عام 2011
* معظم الصالونات الثقافية لم تعد لممارسة نشاطها، لظروف الهجرة/‏ الموت!
* ينشط في سوريا حالياً نحو 11 صالوناً. تنتشر في حلب ودمشق وحمص واللاذقية
* ظهرت 8 صالونات ثقافية خلال عام 2018

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©