الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

حروب ترامب التجارية تحرم أميركا من فرص العمل

حروب ترامب التجارية تحرم أميركا من فرص العمل
20 أغسطس 2019 02:02

تكشف منازعات الولايات المتحدة التجارية الراهنة مع العالم الخارجي عن خسائر متصاعدة للاقتصاد الأميركي، أبرزها انخفاض الدخول الحقيقية للأميركيين نفسهم. ولعل ما هو أكثر إيلاماً من هذا هو تقلص عدد المصانع الحديثة التي يمولها مستثمرون أجانب في مختلف الولايات. ويعني هذا ببساطة هروب فرص العمل الجديدة التي وعد الرئيس بها يوماً ما إلى خارج البلاد.
وتظهر دراسات أكاديمية موثوقة أن الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب تسببت على سبيل المثال في ارتفاع أسعار غسالات الملابس، وغيرها من السلع المنزلية المعمرة المستوردة، ما أدى إلى صعود أسعار المستهلكين لهذه المنتجات. كما تعكس أحدث البيانات الإحصائية الصادرة عن الحكومة الأميركية أثراً سلبياً آخر للحروب التجارية الناشبة مع الشركاء التجاريين الرئيسين، وهو تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أرقام مفرحة وأخرى محزنة وتحذر أحدث البيانات الرسمية من التكلفة المتزايدة لهذه الحروب نتيجة تقلص استثمارات الشركات متعددة الجنسية التي تقع مقراتها الرئيسة خارج الولايات المتحدة. وبالنظر إلى الأرقام المتاحة في هذا الصدد، بلغ إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الولايات المتحدة عام 2015 نحو 482 مليار دولار. وارتفع الرقم نسبياً في العام التالي إلى 486 مليار دولار.
وبعد فترة قصيرة من تولي ترامب السلطة في يناير من عام 2017، دخلت إدارته في عدة نزاعات تجارية جديدة، ما تسبب في تآكل هذه التدفقات بنسبة 40% تقريباً لتصل إلى نحو 292 مليار دولار فقط. ونظراً لاستمرار هذه الخلافات، بل وتعقدها، تراجعت هذه التدفقات مجدداً بنسبة 8.2% إلى 268 مليار دولار في عام 2018.
وفي بداية شهر يوليو الماضي، ذكرت وزارة التجارة الأميركية أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر انخفضت بنسبة 5% أخرى خلال فترة الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي. كما ذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن حصة الولايات المتحدة من إجمالي التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر انخفضت في عام 2018 لأول مرة منذ عام 2008 لتصبح 23% بدلاً من 25%.
ولن نشعر بأدنى دهشة إذا علمنا أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين تراجعت بين عامي 2016 و2018 بنسبة 87.9% إلى 5.4 مليار دولار فقط، فالدولتان أصبحتا في نزاع مستمر وهما الآن على شفير حرب تجارية متكاملة الأركان.

أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا نهتم بمؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر؟ والإجابة شديدة البساطة أن الشركات الأجنبية متعددة الجنسية يمكنها خلق فرص عمل عالية الجودة داخل الولايات المتحدة. ولنعد إلى أحدث بيانات وزارة التجارة من جديد، ففي عام 2016، عمل أكثر من 7.1 مليون أميركي لدى فروع شركات أجنبية في الولايات المتحدة. ويعادل هذا الرقم نسبة 5.6% من إجمالي عدد العاملين في القطاع الخاص الأميركي.
وأنفقت هذه الشركات التابعة آنذاك نحو 258.9 مليار دولار على شراء العقارات والمصانع والمعدات. ومثل هذا الرقم نسبة 16.4% من جملة الإنفاق الرأسمالي للقطاع الخاص في ذلك العام. كما أنفقت هذه الشركات 60.1 مليار دولار على أنشطة الأبحاث والتطوير أي نحو 16% من جملة قيمة هذا النشاط. واتجه الجانب الأكبر من هذا النشاط إلى القطاع الصناعي. وعملت نسبة 35% من الأميركيين لدى الشركات الأجنبية متعددة الجنسية في قطاع التصنيع، أي ما يعادل 2.5 مليون عامل، مقابل 8.5% فقط من جملة العاملين الأميركيين لدى القطاع الخاص.
أما ما يجعل من هذه الفرص أعمالاً عالية الجودة، فهو عامل الأجر المرتفع. ففي عام 2016 على سبيل المثال، بلغ متوسط الأجر السنوي للعامل الأميركي في فروع هذه الشركات نحو 81220 دولاراً. ويزيد هذا الأجر بنسبة 26.3% عن المتوسط السنوي المناظر للعامل الأميركي في القطاع الخاص. علاوة على هذا، تتركز معظم هذه الأعمال في أماكن تحتاج بشدة إلى فرص اقتصادية واعدة. ففي ولايتين من ثلاث (كنتاكي وساوث كارولينا) تركزت أفرع هذه الشركات فيها، استحوذت فرص العمل التي وفرتها على نسبة 8% على الأقل من إجمالي فرص العمل في القطاع الخاص بالولايتين.
على صعيد آخر، تميل الفروع الأميركية للشركات الأجنبية متعددة الجنسية إلى تركيز النشاط على التجارة والتصدير إلى الخارج. ففي عام 2016، استحوذت هذه الشركات على 25.6% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة السلعية و29.3% من جملة الواردات السلعية الأميركية أيضاً. ومن ما يثير الأسى أن هذا كله معرض للتآكل بسبب النزاعات التجارية وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وبخاصة استثمارات الشركات متعددة الجنسية والتي تتميز بكونها طويلة الأجل، وواسعة النطاق.

الحلول المغلوطة
ويزعم خبراء مقربون من الإدارة الأميركية الحالية أن العوائق التجارية الأميركية الجديدة ستدفع الشركات الأجنبية إلى الاستثمار في الداخل وبيع منتجاتها في السوق المحلية! إلا أن هذا المنطق المبتسر يتجاهل حقيقة الترابط العضوي بين حرية التجارة، والاستثمار الأجنبي المباشر. فالشركات الأجنبية متعددة الجنسية تحتاج في الأغلب الأعم إلى سلسلة مورديها في الخارج لزيادة القدرة التنافسية الأميركية. كما يتجاهل هذا الحل البديل أن المنازعات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسين سوف تعزز الفرص خارج أميركا والتي تواجهها هذه الشركات الكبرى عادة.

مخاوف الأمن القومي
ومما لا شك فيه أنه يتعين الموازنة بين مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر، ومخاوف الأمن القومي للولايات المتحدة. وتتولى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة هذه المهمة عن طريق تقييم المخاطر التي قد تحيق بالأمن القومي الأميركي من جراء توسع هذه الاستثمارات في الداخل. ولكن تخويف الاستثمار الأجنبي المباشر المشروع بشكل عام لن يعزز من أمن الولايات المتحدة القومي بأي حال.
وختاماً، فيجب ألا تعتبر الولايات المتحدة مسألة جاذبيتها للاستثمار الأجنبي للشركات متعددة الجنسية أمراً مسلماً به. ففي كل مرة تتخطى هذه الاستثمارات الحدود الأميركية لتتجه إلى أماكن أخرى، يفقد الأميركيون فرص العمل سخية الأجر، وتخسر الولايات المتحدة ديناميكيتها، وثراءها.

بقلم: ماثيو ج. سلوتر

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©