الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الشركات الكبرى تنتج مركبات أكثر كفاءة وأقل تلويثاً بإرادتها

الشركات الكبرى تنتج مركبات أكثر كفاءة وأقل تلويثاً بإرادتها
19 سبتمبر 2019 03:11

يدور لغط كبير في الولايات المتحدة حالياً بين شركات صناعة السيارات، وجماعات الضغط المعنية بحماية البيئة، وإدارة الرئيس دونالد ترامب حول قضية عوادم المركبات. فهل بوسع جميع الأطراف أن تتراضى، بهدف الوصول إلى وضع «لا غالب ولا مغلوب»؟
وبالنظر إلى الإجراءات التي اتخذتها الشركات حتى الآن، يمكن القول باطمئنان إن حرب إدارة ترامب ضدها، لوضع معايير مختلفة، لا مبرر لها.
فقبل عقد واحد تقريباً، توصلت الشركات المنتجة، والقيادات السياسية المحلية والفدرالية، وجماعات حماية البيئة، إلى اتفاق بالتراضي من أجل الصالح العام.
ووضع اتفاق السيارات النظيفة لعام 2009 الولايات المتحدة على الطريق الصحيح لبيئة أقل تلوثاً، ومركبات أوفر استهلاكاً للوقود.
علاوة على هذا، بات المنتجون واثقين في استقرار اللوائح التنظيمية، ما دفعهم لإدارة استثماراتهم الرأسمالية في هذا المجال بأمان. وبدورهم، أصبح بوسع حملة الأسهم الاطمئنان إلى عصر واعد بالابتكار والأرباح. ورغم مناخ الارتياح العام السائد منذ الاتفاق، عمدت إدارة ترامب إلى التشويش على ما تحقق حتى الآن، وهو تحسن مستدام في قواعد الحد من الملوثات الغازية، وضمان قطع السيارات والشاحنات الخفيفة مسافات أكبر بقدر أقل من الوقود.
وتسعى إدارة ترامب إلى تجميد معايير العوادم المسموح بها عند مستويات 2020، ما يشكل تراجعاً جذرياً عن بنود الاتفاق.
وكان تحليل عكفت عليه إدارة ترامب، خلص إلى أن المسار الحالي سيضيف أكثر من 7 مليارات طن من عوادم غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، بحلول عام 2100. وأثار هذا الموقف دهشة أطراف الاتفاق.
وفي 17 يونيو الماضي دعا المنتجون، ومنهم جنرال موتورز، وفورد، الحكومة إلى طاولة التفاوض، بحضور ممثلي ولاية كاليفورنيا تحديداً، نظراً لأن الولاية لها قواعدها الخاصة في معايير تلويث المركبات للهواء. ولم تحضر الإدارة للتفاوض.
لهذا قررت شركات عدة أن تتفق فيما بينها على مسار بديل. وبالفعل، توافقت 4 شركات طواعية في يوليو الماضي، وبحضور ممثلي كاليفورنيا، على قواعد تكفل الاستقرار والوضوح المطلوبين للمنتجين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم مناطق العالم بما فيها كندا، وآسيا، وأوروبا، تصر على أن تكون المركبات أكثر نظافة.
ولا تتفق شركات إنتاج السيارات مع دعاة حماية البيئة بشأن نظافة الهواء على الدوام، إلا أنهم اتفقوا هذه المرة! وتعكس المبادئ الطوعية للحد من التلوث المتفق عليها، ما نعتبره في عالم السياسة صيغة «لا غالب ولا مغلوب».
وكانت المفاوضات شملت شركات «فورد»، و«بي.إم. دبليو»، و«فولكسفاجن»، و«هوندا» إلى جانب ممثلي كاليفورنيا. ومن اللافت في هذا الصدد أن شركات السيارات تسعى لمنظومة أكثر حزماً في حماية البيئة، بل وتتخطى القيود التي يسعى البيت الأبيض لفرضها.
ومن خلال تشجيع التكنولوجيا المتقدمة في تنقية العوادم، سينفق المشترون الجدد مالاً أقل على وقود السيارة وصيانتها. وسيتمكنون من تخفيض مستويات التلوث في أنحاء الولايات المتحدة الناتج عن شتى أنواع المركبات بما فيها، سيارات الصالون، والسيارات متعددة الأغراض، والشاحنات الخفيفة.
والعجيب، أن إدارة ترامب لا تدخر جهداً لوقف تنفيذ هذا الاتفاق. ومن بين الحيل التي لجأت إليها البدء في تحقيقات بشأن ممارسات احتكارية محتملة، ورفع طعن مشترك من وزارة النقل، ووكالة حماية البيئة لتعليق صلاحيات الولايات عموماً في تنظيم انبعاثات العوادم المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. وتتعين الإشارة في هذا السياق إلى أن ولاية كاليفورنيا، تحديداً، تتمتع منذ زمن بالصلاحيات اللازمة وفقاً لما يعرف باسم «قانون الهواء النظيف». وسيمكنها اتفاق المبادئ الطوعية الجديد من طرح باقة متنوعة من الخيارات أمام المستهلكين، بما فيها اختيار الكفاءة في استهلاك الوقود.
وكانت معايير نظافة العوادم القائمة قد شجعت على الابتكار بالفعل، فوصل معدل استهلاك الوقود في السيارات متعددة الأغراض، والشاحنات الخفيفة إلى 25 ميلاً وأكثر للجالون الواحد.
وخلال الأعوام السبعة الماضية، نجحت المعايير البيئية الأكثر صرامة في تحفيز التقدم مع حماية رغبة المستهلك في الاختيار، وإعادة بناء صناعة السيارات ككل. ويهدد وقف التقدم الحاصل حتى الآن بالعودة إلى الأوضاع السابقة، ومن أبرز ملامحها، تدهور الكفاءة في استهلاك الوقود، زيادة مستويات التلوث الجوي، انعدام الكفاءة الاقتصادية في التشغيل، خسارة 60 ألف وظيفة بحلول عام 2023 في حال تجميد الاتفاق.
من جهة أخرى، فإن الفائز الوحيد من هذه المساعي السلبية سيكون شركات إنتاج البترول الأميركية بلا شك. ويقول رئيس مجلس إدارة شركة ماراثون للنفط: إن سائقي السيارات الأميركيين سيضطرون لشراء ما يتراوح بين 350 ألفاً و400 ألف برميل إضافي من البنزين يومياً.
كما أعدت شركة «إم. جي. برادلي» وشركاه للاستشارات تحليلاً للموقف، خلصت من خلاله إلى أن العائلة الأميركية متوسطة الحال ستضطر إلى سداد 200 دولار إضافية سنوياً، مقابل استهلاكها من الوقود.
ومن الواضح أن شركات هوندا، وبي. إم. دبليو، وفولكسفاجن، وفورد قد تأكدت أن خفض العوادم نشاط مربح في حد ذاته. وبشكل عام، فإن صناعة السيارات عالمياً تتجه إلى التحول لإنتاج السيارات الكهربائية، لهذا تستثمر مليارات الدولارات لتطوير سيارات وشاحنات بلا عوادم ضارة على الإطلاق.
كما يتزايد الطلب باطراد على السيارات النظيفة الأكثر تطوراً خاصة في الصين، أكبر سوق في العالم لهذه المركبات. ونخلص من هذا إلى أن غياب التوافق بين الولايات والمنتجين على تطوير سيارات أنظف سيخرج الولايات المتحدة من السباق على الفوز بطلبيات التوريد الجديدة.
وختاما، فإن صناعة السيارات الأميركية ازدهرت فعلياً في ظل معايير بيئية صارمة وانتعشت الحلول المبتكرة لمكافحة العوادم. ولعل هذا ما دفعها للإنصات إلى السياسيين، وجماعات حماية البيئة بشتى أشكالها في عام 2009 للتوصل إلى اتفاق، أدى إلى هواء أنظف، وكلفة أقل عند شراء البنزين، وصناعة سيارات أقوى. من ثم، ليس هناك ما يدعو إلى حشر السياسة والفكر الأيديولوجي في القضية بلا طائل. فما هو مناسب لشركات السيارات، والمستهلكين، والبيئة، لابد أنه جيد تماماً للولايات المتحدة.

بقلم: فريد كروب

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©