الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

انقلاب منحنى العائد على الطريقة البريطانية

انقلاب منحنى العائد على الطريقة البريطانية
8 أكتوبر 2019 01:25

يرى أنصار المدرسة الاقتصادية التقليدية في الولايات المتحدة أن انخفاض العائد على أذون الخزانة طويلة الأجل عن مستوى أسعار الفائدة قصيرة الأجل يشكل نذيراً بركود اقتصادي وشيك. ويبدو أن علينا البدء في تغيير هذا المفهوم استناداً إلى التجربة البريطانية، إذ أنها ليست مخيفة إلى هذا الحد، ولم تستدع كثيراً من الجلبة.
بداية، يمكن القول إن مصباح الإنذار من ركود مرتقب للاقتصاد الأميركي قد بدأ في الوميض منذ أشهر. وبمتابعة أداء هذا المصباح، وهو منحنى العائد، فلن نجده في بريطانيا مثيراً لقلق يذكر كما تعودنا في الحالة الأميركية.

انقلاب منحنى العائد
وتحدث هذه الظاهرة في أسواق السندات الأميركية بين فترة وأخرى، عندما ينخفض العائد على أذون الخزانة (الحكومية)، إلى مستوى أدنى من أسعار الفائدة قصيرة الأجل السارية. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، تحدث هذه الظاهرة قبل كل دورة ركود للاقتصاد الأميركي. ويختلف الأمر في الحالة البريطانية، إذ ينقلب منحنى العائد هناك دون أن يحدث ركود، لدواع اقتصادية محلية، قد تكون متاحة بالفعل أيضاً في سوق السندات الأميركية الآن. وقد يفسر هذا لنا أسباب عدم توافر مؤشرات تحذيرية أخرى مثل الوضع في أسواق الأسهم على سبيل المثال.
ويتحكم البنك المركزي في أسعار الفائدة قصيرة الأجل في الأغلب الأعم، بينما تتحرك مستويات العائد على أذون الخزانة طويلة الأجل تبعا لأداء المستثمرين.
وفي الأوضاع العادية، تميل أسعار الفائدة طويلة الأجل للارتفاع مقارنة بقصيرة الأجل، بهدف تعويض المستثمرين عن تجميد أموالهم لمدد أطول وفي ظل مخاطر إضافية منها: معدلات التضخم، والنمو الاقتصادي، وطبيعة السياسة النقدية السارية. وإذا ما استشعر المستثمرون بقرب دخول موجة للركود، قد تنقلب هذه العلاقة.
بمعنى آخر، يفر المستثمرون إلى أمان سوق السندات بدلاً من أسواق الأسهم الأعلى مخاطرة. وعندما ترتفع أسعارها تحت وقع زيادة الطلب، يبدأ عائدها في التراجع.
وفي مثل هذه الحالات، يتوقع المستثمرون كذلك تدخل البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة لمواجهة ضعف الأوضاع الاقتصادية. ويؤدي هذا الإجراء إلى عودة الأمور إلى نصابها.

مقارنة بين حالتين
منذ سبعينيات القرن العشرين، تحدث موجة ركود للاقتصاد الأميركي في كل مرة ينخفض فيها عائد أذون الخزانة لأجل 10 أعوام عن نظيره على الأذون مدة 3 أشهر. ولم يتبدل هذا الوضع حتى الآن.

وفي بريطانيا، وقعت موجات الركود الثلاث الأخيرة بعد انخفاض عائد أذون الخزانة البريطانية لأجل 10 أعوام عن العائد على الأذون أجل عامين. (ويتركز تحليل مؤشرات العائد في بريطانيا على الأذون أجل عامين).
وقد انقلب منحنى العائد البريطاني مرتين في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وفي أواخر ذلك العقد، ولم يحدث أي ركود بعدها مباشرة. وانقلب المنحنى مجدداً هناك في الفترة من 1998 إلى 2002. إلا أن موجات الركود ضربت دولاً أخرى، منها الولايات المتحدة وروسيا، ونجت بريطانيا بل وانتعش اقتصادها، الأمر الذي أسهم في إطلاق اسم الشهرة «بريطانيا اللطيفة» على المملكة المتحدة في أوساط المستثمرين.
ويرى أندرو ويشارت الخبير الاقتصادي البريطاني لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» أن هذه المؤشرات الإيجابية الزائفة تظهر أن ثمة عوامل أخرى غير المخاوف من الركود أو طبيعة السياسة النقدية المحلية يمكنها أن تؤدي إلى انقلاب منحنى العائد.
فقد أدت اللوائح المستحدثة على استثمارات صناديق المعاشات البريطانية بعد عام 1997 إلى رفع العائد عليها إلى مستوى قريب من العائد على أذون الخزانة، وأبعد ما يكون عن عوائد المحافظ الكبيرة من الأسهم. كما أثرت تدابير مماثلة على استثمارات شركات التأمين.
ونتيجة لهذا، ارتفع الطلب على أذون الخزانة البريطانية لأجل عامين، في حين تقلص المعروض منها نظراً لانخفاض عجز الميزانية نسبياً أكثر من مرة، ومن ثم انتفت الحاجة للتوسع في إصدارها.

تفسيرات إضافية
ويرى خبراء اقتصاديون وممولون أن لوائح ما بعد الأزمة المالية العالمية دفعت البنوك وشركات التأمين إلى حيازة مزيد من الأذون الحكومية، لكونها أدنى خطورة مقارنة بغيرها من الأصول.
ويوضح أندرو جودوين كبير المحللين الاقتصاديين في مؤسسة «أوكسفورد إيكونوميكس» أن فرض هذه اللوائح على المؤسسات في توقيت واحد دفع كثيراً من البنوك المركزية إلى شراء الأذون في إطار ما يعرف بتخفيف الضغوط الكمية لتنشيط النمو.
ويعني هذا أن عدداً أكبر من الصيادين بات يبحث في الحوض نفسه عن الأذون طويلة الأجل بالذات. كما خدمت المؤثرات الخارجية الحالة البريطانية، إذ تجر عوائد السندات الدولية عادة الأذون البريطانية معها. وبينما عانت عدة دول من موجات للركود في عام 2001، خفضت البنوك المركزية الأجنبية أسعار الفائدة، فانخفضت عوائد الأذون التي تصدرها. وسريعاً ما اتجهت أنظار المستثمرين إلى بريطانيا، حيث تسود أسعار فائدة أعلى، وأثرت موجة التدافع على الشراء على عوائد الأذون البريطانية لينقلب منحنى العائد في نهاية المطاف.

الحالة الأميركية
ولعل بعضاً من هذه العوامل قائم فعلياً في الولايات المتحدة حالياً، إذ يتوقع المستثمرون ارتفاع عوائد الأذون الحكومية من ناحية القيمة خلال فترات التراجع الاقتصادي بالتزامن مع تقلص العوائد عموماً.
وأخذا في الاعتبار وصول أسعار الفائدة في أوروبا إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بل وتراجعها إلى الحدود السلبية من قبل حدوث موجة ركود، فإن المستثمرين سيصرفون النظر عن السندات الأوروبية التي اعتادوا اعتبارها ملاذاً آمناً يحميهم من آثار الانخفاض في أسعار الأسهم، وفي المقابل، سيقبلون على شراء أذون الخزانة الأميركية لتحصيل عوائد أفضل، ما قد يدفع عوائدها إلى الانخفاض عن أسعار الفائدة قصيرة الأجل.
وليس هذا فحسب، فالتعويضات التي يسعى المستثمرون إلى تحصيلها مقابل ربط أموالهم في صورة أذون طويلة الأجل بدلاً من القصيرة يطلق عليها اسم «علاوة المدة». وإذا ما استشعروا خطراً محدوداً لارتفاع كبير في معدلات التضخم مستقبلا، فإنهم يميلون إلى قبول هامش محدود أو حتى سلبي لعلاوة المدة. ويترجم هذا إلى انخفاض في عوائد الأذون، وانقلابات متكررة في منحنى العائد.
ومنذ بداية التسعينيات من القرن العشرين وحتى وقوع الأزمة المالية العالمية، ظلت هذه القيمة في بريطانيا أقل مقارنة بنظيرتها في الولايات المتحدة. ويرجع هذا إلى اعتماد بنك إنجلترا المركزي سياسة معدل التضخم المستهدف في عام 1992 ما حد من خطر انفلاته ومن ثم حدوث زيادات مفاجئة في أسعار الفائدة.
ومنذ ذلك الوقت، سارت مزية المدة على المنوال البريطاني.
خلاصة القول، إن انقلاب منحنى العائد لا يجب اعتباره نذيراً بركود اقتصادي حتمي وشيك بل يجب النظر إليه كتحذير من إبطاء محتمل استنادا إلى التجربة البريطانية.
بقلم: أنا إيزاك

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©