الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

خارج نطاق الخدمة

خارج نطاق الخدمة
14 أكتوبر 2019 03:32

لماذا اكتفينا بالرسائل الباردة التي تُميت المشاعر وتقضي على الألفة، وتخرج بنا من إطار الإنسانية الحقّة إلى عالم جاف أجوف يسمى التواصل الاجتماعي، وما هو بتواصل ولا هو باجتماعي لانتفاء صفة الدفء والمشاعر الحقيقية فيه، لقد أصبحنا نشبه الآلات كثيراً نبعث التهنئة برسالة إلكترونية، ونعزّي إلكترونياً، وندعو للأفراح بفيديو مصور، لم يعد التواصل الإنسانيُّ إنسانياً للأسف.
إن ميكنة المشاعر الفطريّة بين البشر تُلغي الكثير من البساطة والعفوية التي يتميز بها الإنسان عن بقية الكائنات الحية لأنه حين يمارسها فهو يفعل ذلك عقلانياً ووجدانياً في تآلف حسي ومعنوي يرفع من مستوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية حتى تصير جزءاً من ذواتنا التواقة على الدوام إلى المحبة، والوفاء، والتواصل الخلاّق.
الإنسان هو الذي صنع الآلة التي حوّلته بمرور الوقت هو الآخر إلى آلة تنوب عنه، وتؤدي مهامه، تكتب له، ترسم له، تسافر بصوته إلى العالم، تتصل، تنفصل، تغضب، تفرح، وفي المستقبل الذي يتخذ من الذكاء الاصطناعي شعاراً له قد يخرج لنا العالم بنسخة إلكترونية مطابقة للإنسان في شكله وانفعالاته وسلوكه تفوق ما يفعله الروبوت الذي متى ما انتهت تغذيته الكهربائية أصبح جثة هامدة وخارج نطاق الخدمة.
لقد خلقنا الله تعالى في «أحسنِ تقويم» نتعارف، نتآلف، نتعاون، نتعايش، نصير ُفي أجمل خلق ٍ ونتجلى في أبهى الصور التي تقرّبنا ولا تفرّق، تأخذ بأيدينا نحوَ الأسمى من الحضور، والأعلى من السلوك، وعلينا مسؤوليات عميقة باتجاه بعضنا، والعالم من حولنا، ومنوط بعقولنا الكثير من المهام، وبأنفسنا الجميل من الشعور، وبسلوكنا العالي من التصرف، ولمّا أخذت بعضنا التقنية الحديثة لم يعد باستطاعتنا تلمّس الانفعالات، ومعايشة التصرفات، صارت النسخ متكررة، ذات الرسائل وذات المضامين التي كثيراً ما يخطئ المصحح اللغوي في أجهزتنا النقالة في ترجمتها كما جاءت في المعنى والقصد الأول.
لا شك بأننا نعيش مرحلة جديدة من أعمارنا وأفكارنا ومتطلباتنا وآمالنا وتطلعاتنا، والحياة من حولنا تتحرك، نُمسي في حالٍ وعلى حال ونصبح في حالٍ آخر، لقد ألغت التكنولوجيا الحديثة المسافات، وحرّكت الاتجاهات بما نشهده من تطورات متسارعة وبشكل يكاد يكون يومياً وفي شتى المجالات، ولا شك أن في ذلك خيراً للبشرية وللمجتمعات، غير أن ما اتصل بتقنيات التواصل الاجتماعي لا يحمل الخير َ كلّه لأن الناس لم يُحسنوا استخدامها كما ينبغي لها، وكما اختُرعت له.إننا نعيش في الزمن البارد، فأحسنوا تدفئة قلوبكم بالتواصل الحقيقي، دعوا الهواتف جانباً، تواصلوا بالقلوب لتغدو الحياة أجمل، وأنقى، وأكثر إشراقاً وبهاء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©