السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تعددية ثقافية ضد التمييز والعنصرية

تعددية ثقافية ضد التمييز والعنصرية
28 نوفمبر 2019 03:29

غالية خوجة

المتابع لحركة التألق والإشراقات في دولة الإمارات العربية المتحدة، لا بد وأن يلاحظ كيفية توظيفها لمختلف العوامل الحياتية الحضارية بعلومها الإنسانية والصناعية والتكنولوجية لخدمة الإنسان الإماراتي والمقيم والزائر، وهذا ما تعكسه البنية الثقافية والفنية والمعرفية، فلم تتوقف الإمارات عند ما أنجزته في مجال ثورة الذكاء الصناعي، ومجال العلوم التي أوصلتها إلى محطة الفضاء الدولية، ولا عند ما أنتجته من مبادرات إنسانية اجتماعية ثقافية فنية على الصعيد المحلي، والعربي، والعالمي، في مختلف أرجائها.
أمّا كيف يتواصل الإماراتيون مع التعددية الثقافية والتنوع الذي يعكسه مجتمع الإمارات من خلال ثقافات المقيمين، فهذا ما رآه العديد من الكتاب والفنانين الإماراتيين من خلال نهج القيادة الحكيمة المتلاحمة مع الشعب، ومبادراتها وأهدافها المضيئة، ومراياها العاكسة لكل الحالات المتفائلة، المتحركة مع الثوابت المتجذرة بأركان القيم ومنها المحبة والسلام والتسامح والأمان والاحترام وهذا ما تعكسه الفعاليات الثقافية والفنية والأنشطة المختلفة على هذه الأرض الطيبة، من خلال النصوص المختلفة الشعرية، السردية، المسرحية، والدرامية الأخرى، ومن خلال المعارض التشكيلية الفنية الفردية والجماعية، والمهرجانات والجوائز الأدبية والفنية، إضافة إلى المبادرات الملفتة، مثل مبادرة تحدي القراءة العربي، مبادرة مشروع كلمة للترجمة، مبادرة لغتي، مبادرة الاحتفاء بالأعوام، مثل عام زايد، عام الخير، عام التسامح. إضافة إلى الانفتاح على العلاقات المتبادلة مع دول العالم لا سيما الثقافية ومنها الأسابيع الثقافية المتبادلة بين الإمارات ودول العالم، وأسابيع الفلكلور الخاصة بدول العالم التي يستضيفها معهد الشارقة للتراث، وحضور الإمارات العربية المتحدة في معارض الكتب الدولية، واستضافة معارض الكتب الإماراتية لثقافة الدول الأخرى، ولا يخفى دور وزارة الثقافة، ودائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، هيئة دبي للثقافة والفنون، واتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، والدوائر والهيئات الثقافية الإماراتية الأخرى في الفجيرة وأم القيوين وعجمان ورأس الخيمة، ودور المسارح، والمتاحف، ومراكز الفنون، المنتشرة على أرض الإمارات، وما تحتضنه جزيرة السعديات الثقافية من متاحف، وما تواصله، وبكثافة، من أنشطة وفعاليات وورشات وجلسات ومؤتمرات وندوات، إضافة إلى فن أبوظبي، والمجمع الثقافي، وقصر الحصن، وأوبرا دبي، والسركال أفنيو، ومتحف الاتحاد بدبي، وجمعية الفنون التشكيلية بالشارقة وما تضمّه منطقة قلب الشارقة من متاحف فنية ومسرحية وأروقة فنية.
وتتوج الإمارات كل ذلك وأكثر بوزارة للتسامح وبرامجها الداخلية والخارجية، ووزارة للسعادة لتمنح الطاقة الإيجابية، ووزارة للشباب الموظفة للطاقة الشابة في القيادة والأعمال والثقافة والتجارة والاقتصاد والفنون وغيرها من المجالات المختلفة، مع تخصيص مراكز للشباب الإماراتي والعربي أيضاً، وما تقدمه من فعاليات متناغمة مع الفعاليات الكلّيّة في الدولة.
وعموماً، تتسم النصوص المكتوبة والتشكيلية والموسيقية بتفاعلها مع المجتمع الواقعي للإمارات، وتجانساته التأثيرية المختلفة، وهذا ما تعكسه تجربة الأجيال المختلفة، والمتنوعة، وهذا ما تختزله إجابات المثقفين والكتّاب والفنانين الإماراتيين للاتحاد الثقافي.

نهج جمالي للتسامح
تقول التشكيلية د. نجاة مكي، عضو اللجنة العليا لعام التسامح: أصبحت التعددية الثقافية نهجاً جميلاً على أرض الإمارات لكل الذين اتخذوا من الإمارات موطناً، وأصبحوا مع الإماراتيين بوتقة واحدة، بجنسياتهم المختلفة، ولغاتهم، وعاداتهم، وهي الإمارات التي تحتضن عام التسامح، تستوعب الجميع تحت راية الحب والسلام والتآخي، ليظل الجميع في ظل عالم ينعم بالسلام الدائم بعيداً عن التمييز والعنصرية.
وأكدت مكي: وهذا ما نلاحظه من خلال المعارض الفنية الجماعية المؤلفة من مختلف الجنسيات، وهذه ثقافة بحدّ ذاتها، والفن يمثل ثقافة ضمن التسامح لأن الفن منبع التسامح، واسترسلت: عندما يفرغ الفنان اللون من داخل إحساسه، يكون لوناً صافياً ونقياً، والمجموعات الفنية في معرض واحد يحمل مسمى التسامح هو دليل على أن كل الأجناس والجنسيات والثقافات والمعتقدات توحدت في لون واحد ولغة واحدة هي الإنسانية.
ويرى الكاتب إبراهيم الهاشمي أن التعددية أصيلة في الإمارات، وهي من تكوين المجتمع، ومع مراجعة التاريخ الإماراتي نرى هذا التكوين المجتمعي متجانساً من مختلف الجنسيات واللغات، ومتعايشاً بسلام وودّ، وهو ليس بالأمر الجديد، وليس بسبب النفط والثروة، بل هو موجود منذ أزمنة، والإمارات تستوعب كل من يأتيها بروح سمحة وود وتحفظ للناس جميعاً معتقداتهم وتقاليدهم وبشكل محترم ومتبادل بين جميع الأطياف، وهي طبيعة الإماراتيين، وهذا ما نولد عليه، ونراه في دولة الإمارات، وننشأ عليه منذ الطفولة.
وأضاف مؤكداً: التربية بين الأسرة والمدرسة والتعليم هي الأساس في أن نكون سويةً مع الجميع دائماً، وبمنتهى الاحترام، وهذا من تراثنا الأصيل، وكما الإماراتي يبني وطنه فإن المقيمين ومن كافة الجنسيات يبنون معنا هذا الوطن، وهذا مما تساهم فيه حكومتنا وقيادتنا الحكيمة الرشيدة، التي وظفت جميع المقيمين على هذه الأرض من أجل بناء هذه الأرض، ولن ننسى الكثير من المثقفين والإعلاميين والاقتصاديين والمعماريين الذين ساهموا ويساهمون في هذا البناء، وما زلنا نذكر مَن درّسنا مِن المدرسين العرب، إذن، الدولة تقدّر وتعطي، والشعب أيضاً، لذا، فإن الملاحظ هو الوعي التلاحمي بين القيادة والشعب من أجل هذا الوطن وهذه الأرض.
وعن العلاقة بين الهوية والتعددية، قال: ضمن هذه التعددية الثقافية استطعنا الحفاظ على الهوية المحلية والعربية، ومصدر الهوية، بلا شك، الأسرة والنظام التعليمي والإعلام والثقافة والعمل على هذا المحور بفنية مستمرة مع الأزمنة، تربط بين العادات والتقاليد الجميلة واللغة والتمازج الأسري. وطننا جميل، وهذا ما يدركه الشباب والجيل الجديد، ويتشبث به الإماراتي جيلاً بعد جيل، ونحن نعيش ضمن مجتمع متعدد، هو جميل أيضاً، ونحافظ على هذه اللحمة، ويجعلنا شعباً حضارياً بكل معنى الكلمة لأنه يحترم الإنسان وإيجابيته، وبالتالي، لا بد أن هذا الإنسان، وبقيمه، يحترم هذه الإيجابية وهذا الاستيعاب.

تأثير حضاري متبادل
تقول فاطمة الجلاف، مديرة إدارة الفنون الأدائية بالإنابة بهيئة دبي للثقافة والفنون: الإمارات دولة تحتضن مئات الجنسيات، وهذا التعدد واختلاف الثقافات أثمر رقياً، وساهم في تطور الإمارات العربية المتحدة ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، وأعطى المزيد من فرص التعايش والتسامح وفي كافة المجالات الحياتية، كما أن الإمارات أثّرت على تلك الجنسيات فرسخت فيهم مبدأ الولاء لوطنهم الثاني، أي الإمارات العربية المتحدة، ودفعت بهم للحفاظ على كيانها وصون أراضيها ونشر المحبة والأخوة الإنسانية.
واعتبرت الجلاف التعددية الثقافية مركزاً للتواصل بين الحضارات في بلد واحد هو الإمارات، إضافة إلى أنها جزء لا يتجزأ من التبادل الثقافي الهادف في شتى مجالاته والتنوع في الخبرات مما يجسد التلاحم الثقافي والإنساني، واختتمت: هذا ما يتمحور حوله نشاطنا الثقافي المتنوع، لا سيما من خلال المسرح، وهيئة دبي للثقافة والفنون، وغيرها من الهيئات والمؤسسات الثقافية المستمرة في إنجاز هذا التبادل الثقافي على أرضنا الحبيبة، وخارج الدولة أيضاً.
وتعيدنا الشاعرة الباحثة والمستشارة الإعلامية شيخة الجابري إلى ذاكرة الإمارات قائلة: إنها ليست وليدة اليوم، وليست وليدة هذا الزمان، لأن تاريخ التعددية الثقافية ممتد عبْر العصور، وبدأ مع الرحلات التجارية والاقتصادية التي كانت تقوم بها السفن الإماراتية نحو سواحل أفريقيا وبعض الدول الآسيوية، ومع الحركة التجارية انتقلت ثقافة هذا الوطن، وانتقلت ثقافة الأوطان الأخرى.
وأكملت: التعددية الثقافية رمز التسامح والتعايش والمحبة والمودة والتواصل ما بين الناس، وهذا التمازج الفكري يجمع 200 جنسية في تناغم تام، هم يشاركوننا في حب وطننا، ويجسدون ذلك من خلال الاحتفاليات التي تقيمها الجاليات المقيمة في الدولة عن طريق السفارات أو المؤسسات الرسمية في الدولة.
وأكدت الجابري: ميزة هذا الوطن أنه يجمع الكثير من الثقافات العربية والأجنبية، وهذا يؤثر في ثقافة أهل البلد، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة المخزون الفكري والثقافي للإماراتيين، وهذا الخليط من الثقافات والأفكار والمعرفة والعادات والتقاليد والأعراف التي تناقلتها هذه الجاليات يعتبر بحدّ ذاته من التعددية الثقافية التي تشهدها الدولة.
من جانبه، يقول الشاعر خالد الظنحاني، رئيس جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية: «دولة الإمارات حاضنة لقيم التسامح والسلام والتعددية الثقافية، كفلت قوانينها الاحترام والتقدير للجميع، وجرّمت الكراهية والعصبية وأسباب الفرقة والاختلاف، وباتت نموذجاً فريداً في تعزيز قيم التسامح والانفتاح على الآخر، إذ ينعم أبناء أكثر من 200 جنسية بالحياة الكريمة والمساواة والاحترام على أرضها الطيبة».
ويكمل: «الإمارات أضحت شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز العنصري، لتصبح عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، وهذا ما جعلها مقصداً للجميع من مختلف بلدان العالم، بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو دينهم، ولهذا فإن مبدأ التعددية الثقافية في الإمارات يدعو إلى المشاركة والحوار والتفاعل الخلاق مع مختلف الجنسيات والأعراق، وهو مصدر إثراء لمخزون المعرفة والثقافة في المجتمع، والذي، بدوره، يعزز قيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، وهو نهج ثابت للدولة ولا يزال أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي رسّختها القيادة الرشيدة في إنسان ومجتمع الإمارات».

نتعايش بمحبة وسلام
الكاتبة والرحالة ومعلمة اليوغا روضة المري، تقول: المزيج الثقافي المتعدد في الإمارات قدم صورة حضارية لمجتمع متعايش بسلام، والإمارات مثال يحتذى به في تقبّل جميع ثقافات الشعوب ونشر التسامح فيما بينهم، ولا ينكر من يعيش على أرضها الطيبة الإحساس بالمحبة والوفاء، ويتجلى ذلك في احتفال الجميع باليوم الوطني ورفع علم الوطن عالياً، بل وترى احتفال الأطفال وغنائهم للنشيد الوطني بمختلف لغاتهم وجنسياتهم، وهذا متأصل في تراثنا وحداثتنا وسلوكنا وكتاباتنا وتعاملنا، وهو مؤشر بيانيّ مرتفع للانسجام والسلام والمحبة والتسامح.
وترى الكاتبة سلمى الحفيتي، مديرة المقهى الثقافي بالفجيرة، أن مفهوم التعددية الثقافية ظهر في ستينيات القرن المنصرم كإطار للتسامح يحتضن مجموعات تتعايش وفق مفاهيم تقبّل الآخر المختلف ضمن علاقات مثمرة خالية من الصراعات فيما بينها، أو الانتصار للثقافة الأقوى أو الانصهار في الثقافة الأكثر انتشاراً، وهي سمة المجتمعات الإنسانية الحديثة التي تؤمن بالحرية الفردية.
وتضيف الحفيتي: دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر حاضنة لثقافات العالم وتعايشها معاً، ومرآته النسيج المحتمعي المكون من أكثر من 200 جنسية، تتفاعل ثقافاتها معاً، كما أنها تضيف لثقافة الإمارات التي تأتي في مقدمة الدول التي يفضل الشباب العربي العيش فيها وفق استطلاعات الرأي الأخيرة.
واسترسلت: أوجدت الإمارات أول وزارة للتسامح وهي وزارة متفردة مضموناً ولها أجندتها التي تعمل على تمكين هذا المفهوم، كما أنها تعتبر من أبرز الدول الداعمة لمشاريع حفظ التراث العالمي وحماية الآثار، ويأتي ذلك ضمن اعتبارها التعدد الثقافي بعداً أساسياً من أبعاد التنمية المستدامة، فثقافة الآخر تزخر بشكل أو بآخر بما يمكن الاستفادة منه وتطويعه وقولبته ليتناسب مع المعتقدات السائدة، وفي هذا العام عام التسامح، ملامح واضحة للعالم عن الوعي الإنساني بهذا المفهوم، ربما كان الحدث الأبرز هو استضافة حوار الأخوة الإنسانية بين قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
واختتمت: ولا بد من التوقف عند حدث أبرز آخر، في معرض الشارقة الدولي للكتاب، حين تمت استضافة مقدم البرامج التلفزيونية الأميركي ستيف هارفي، وفي سياق حديثه مع الجمهور تحدث عن فلسفة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في التسامح والانفتاح على الآخر المختلف واختصرها هارفي في جملة واحدة حين قال: «أشعرني سموه بالراحة والثقة في هويتي»، وهذا هو باختصار مفهوم التعددية الثقافية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©