الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التشكيلي الإسباني غوركا محمد: أنا مغرم بمواجهة الأضداد

التشكيلي الإسباني غوركا محمد: أنا مغرم بمواجهة الأضداد
12 ديسمبر 2019 00:16

شاكر نوري

الفنان غوركا محمد، 1978 عراقي ولد وترعرع في إسبانيا، يعمل بين إنجلترا وإسبانيا، حصل على شهادة البكالوريوس من إسكولا ماسانا في برشلونة وشهادة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية غولدسميث، جامعة لندن. عرض لوحاته في مهرجان فن «يينفينيو» في باريس والذي قدمه غاليري «لا موفيز ريبوتاسيون». وعرض في دار النمر في بيروت. كما أقام معرضاً آخر بالشراكة مع بيت الفنّان حمّانا ومعهد ثربانتس في بيروت. لا يؤمن الفنان بالصور النمطية و«الكليشيهات» المرتبطة بها، تحمل لوحاته ورسوماته قلقاً يسعى للكشف عن ذلك العالم المعقد بشكل بصري. يحاول الفنان التفكير بما يؤثر على الجانب النفسي في الإنسان.
في الحوار التالي، حاولنا أن نسبر أغوار هذا الفنان العالمي الذي يمزج بين ثقافتين كبيرتين، «العربية» و«الإسبانية»، وكان من الطبيعي أن نبدأ حوارنا بالسؤال عن تأثيرات الفن الإسباني على فنه، فأجابنا قائلاً:
عشت في إسبانيا حتى أوائل العشرينيات من عمري، ثم انتقلت إلى سان فرانسيسكو لمدة عام للدراسة، ثم أقمت في لندن عام 2005، حيث درست درجة الماجستير في الفنون الجميلة بجامعة غولدسميث. وبقيت في لندن منذ ذلك الحين. وحالياً أعيش بين لندن ومدريد. عن تأثراتي لا بد من الحديث عن الرسامين الإسبان الباروكيين الذين تركوا أكبر الأثر على فني. إنهم جزء من تاريخي الفني. وبصرف النظر عن الحرية الرائعة في الأسلوب الباروكي، أشعر دائماً بانجذاب لما تتميز به هذه الفترة الفنية الغريبة من التقلب والتعمق والغضب والهلوسة في آنٍ. توجد في الفن الباروكي الإسباني بعض الجوانب الواضحة التي تميزه عن بقية الدول الأوروبية. على سبيل المثال، الطريقة التي يصورون بها الشخصيات التي تتمتع بقوة الخيال والمهارة، وتبدو هذه الشخصيات وكأنها أطياف أكثر مما هم بشر حقيقيون. لقد أسسوا بعض الأحلام التي تعرض ما هو بشع في الواقع، وهو ما يمكن أن نشبهه مع سريالية أفلام لويس بونويل.

*أنت من أصول عراقية وتربيت في إسبانيا، ما هو إحساسك بالثقافتين اللتين تتمتع بهما، هل هما متناقضتان أم متوافقتان في نظرك؟
إن وجود هوية معقدة كما هو الحال عندي، خلق في نفسي شعوراً بالإحباط من الانتماء الوجودي. استغرق مني وقتاً طويلاً لفهم أن شخصيتي تأسست بين التقاليد الثقافية المتنوعة. وهذا ما يجعلني أكون نفسي وليس شخصاً آخر. أشعر بأنني محظوظ حقاً لأن لديّ هذه الخلفية الغنية من الثقافات لاستكشافها واحتضانها.

* هل ترتبط أعمالك بالحداثة التي أنتجتها الثقافة الإسبانية؟
أعتقد أن الأمر أكثر ارتباطًا بمخاوفي كفنان يحرص على التعبير عن الحداثة التي نعيشها. والفن بالنسبة لي حالة تأمل في الأشياء التي تؤثر في واقعنا الاجتماعي والنفسي والثقافي. إن الشرور المتأصلة في النفس البشرية عليها أن تواجه العلاج، وهذا العلاج لا يتم إلا عن طريق الفن باعتباره محفزاً. كما أن قلقي يتركز في الكشف عن نسيج واقعنا بصرياً من خلال المحيط الثقافي وطبقاته المختلفة. علاوة على ذلك، لا بد من التركيز على الدلالات التي ترفع الذائقة الفنية مع بساطة النظرة الجديدة على ما أنتجته الحداثة من موروث في واقعنا الثقافي.

* هل تأثرت ببعض الفنانين، ومن هم هؤلاء؟
أجل. لقد تأثرت بالكوميديا التهريجية المعروفة باسم سلابستيك Slapstick، هو نمط من الفكاهة يشمل النشاط البدني المبالغ فيه والذي يتجاوز حدود الحواس، وأشهر رواده تشارلي تشابلن وباستر كيتون وهارولد لويد ولوريل وهاردي. كان والدي معجباً جداً بتشارلي شابلن، وما زلت أحتفظُ بذكريات طيبة من والدي عندما كنا نشاهد أفلامه معاً. وكذلك باستر كيتون الذي كان بالنسبة لي مثل فنان الدادائية سلابستيك. لقد كنت مولعا بفناني الرسوم المتحركة من أمثال تيكس آفري، وأوب أيوركس، وجون كركفالسو. أشعر بالاتصال مع صديقي الفنان مانويل أوكامبو أو بعض الرسامين من الماضي القريب مثل ألبرتو سافينو أو فيليب جوستون أو جوتيريز سولان في مجال الفن المعاصر. إنني أتعاون مع منظمة في مدريد تُدعى «ديباجو ديل سومبريرو» تتعامل مع الفن الذي يتعامل مع ذوي الإعاقات الذهنية.

* هل تأثرت بالفنانين العراقيين؟
نعم، تأثرت بالرسومات التوضيحية لمقامات الحريري التي رأيتها على جدران منزلنا. هذه الصور هي بطريقة ما جزء مني الآن. أقضي بعض الوقت في دراسة لوحات جواد سليم أو منحوتات محمد غني حكمت في الكتب التي شاهدتها مع أبي في العراق. يجب أن أعترف بأنني أستمع إلى موسيقى منير بشير وابنه عمر أثناء الرسم في الاستوديو. وهذه الموسيقى تساعدني على خلق مزاج فني وإبداعي. وبصرف النظر عن ذلك، استوحي من الفن السومري، لا سيما شخصيات النذور. هذا حاضر تماماً هو بعض لوحات «البوريتريهات» الخاصة بي. أخبرني أحدهم في معرضي في دار النمر «بيروت» أن الطريقة التي أقدم بها الشخصيات عراقية في الصميم، مثل العيون الواسعة الكبيرة، والأفواه الصغيرة، وهذا يعود إلى الصمت الذي خلدوا إليه خوفاً من التعبير.

*هل زرت العراق؟
أحب ذلك، لكن للأسف منذ ولادتي هناك الحروب في البلد. ومعظم أفراد عائلتي غادروا الموصل، ويمكنك أن تتخيل الأوضاع. لديّ رغبة قوية للقيام بهذه الرحلة لأنها ذات مغزى كبير في التواصل مع بلدي.

* هل تصنف فنك بالتجريدي؟
أرى لوحاتي أشبه ما تكون بين التجريدية والتشخيصية. أنا مهتم بمواجهة الأضداد، التجريد مقابل الشكل، والهياكل المنظمة مقابل الأشكال غير المنطقية والصعبة ذات الأشكال الرقيقة، وكذلك الخطوط المستقيمة مع خطوط المنحنيات، والألعاب ذات المساحات الفارغة مقابل المساحات الكاملة التي ترتبط بالمفهوم الكامن وراء العمل الفني. الفن الحالي يُظهر توتر الفرد المعاصر الذي وجد نفسه في بيئة أكثر عاطفية وعزلة واغتراب، مما أدى إلى انكماشه وتعطيله في سياق اجتماعي- سياسي، حيث لا توجد إمكانية حقيقية للاختيار، عالم مشبّع بشكل مدهش بالصور والمعلومات التي تلغي الكفاءة النقدية تجاه ما يحدث، وهذا يدعونا إلى السلبية. بعد هذه الأفكار، أفهم طريقة «التفكير من خلال الرسم» كعملية مرتبطة كمشروع حياة بانعكاس القيم، وغياب الحدود.

* هل تستلهم الحياة الحقيقية؟
أستلهم من التفاصيل والأشياء الصغيرة التي أراها في طريقي إلى الاستوديو الخاص بي، وغالباً ما أحب ممارسة المشي بشكل عشوائي ومعقد لتناول القهوة ومراقبة الناس. أحاول أن أكون متواصلاً مع أخبار العالم، وأنا مهتم بكيفية تأثير محيطنا الجديد مع التكنولوجيا وتأثيراتها النفسية.

* هل شاركت في معارض عربية؟
أجل، اخترت أن أكون جزءاً من الإقامة الفنية التي تدعى راشيتو ليبانو من قبل مركز ماتاديرو للفنون في مدريد وجزءاً من برنامج الإقامة في بيت حمانا للفنانين في لبنان لمدة شهرين خلال شهري يناير وفبراير. خلال هذه الفترة، أقمتُ معرضي الفردي الأول في الشرق الأوسط في دار النمر في بيروت. والتي كانت بالنسبة لي فرصة عظيمة لتقديم مجموعة جديدة من الأعمال من خلال الرسم، لكنني أقف ضد رسومات الصور النمطية والكليشيهات التي تسود الثقافة العربية التي يعرضها الغرب والتي تأسست من خلال الثقافة الشعبية ووسائل الإعلام الجماهيرية.

* ما رأيك في الفن العربي عامة؟
أحب كثيراً بعض مجموعات الفنانين الذين قابلتهم في بيروت، مثل «مجموعة كهربا»، ومجموعة «فكاهة سماندل» أو صديقي الفنان/‏‏‏ المصور دافيد حبشي، وزملائه في الاستوديو. أحب الفن العربي القوي الذي يحمل رسالة فنية وإنسانية قوية. لا أرى أن الفن العربي يتفوق على القمة الشعرية التي توصل إليها العرب، كما لا أحب الفن الذي ينسجم مع «الكليشيهات» التي أنتجها المجتمع الغربي عن هذا الفن.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©