لا زال هناك ما يملأ الوقت، من الإبداع الملهم والمثمر ثقافياً، بل ثمة ما يخلق لنا بيئة ثقافية نقية وصادقة، تصويبها يميل إلى العمل الجاد، هذا استشفاف أول، لما قدمته الفنانة الرائعة سمية السويدي، من خلال إشرافها على معرض جداريات الفني، بمركز القطارة للفنون، والمتميز بجمالية المكان، وسط واحة الدفء، وفضاء المعنى، وسحر التراث، ولغة الحوار ما بين لوحات التشكيل وأفلام التوثيق، والتعريف بالإرث المعرفي والمجتمعي عبر السنوات الماضية والحاضرة.
في مدخل مركز القطارة، مشاهد مصورة ومجسدة، من دكاكين تحمل رائحة الماضي، أيقونات تركها الناس خلفهم، وحضرت تمثل أدوات الحراثة والسقي والحبال والعصي وملابس الزمن الجميل، وما يمكن من استدعاء روح الماضي.
وكأن ما يوحي لزائر المعرض بأنه أمام بانوراما حياتية تبث الروح، وتسعد أن ترى صورة مختلفة من الحياة، أحالها الزمن إلى مهارات فنية تبتكر من وجودها لوحات مؤثرة ومنتشيه بالمكان والزمان وبالتاريخ العريق بما يوحي بالفنتازيا الفكرية والفنية الرائدة.
الجهود المخلصة للعمل دائماً ما تحيل الأنشطة الثقافية إلى متعة، وتمزج بينها بالأفكار والرؤى، لتأخذ مساحات للتشكل بمفاهيم جميلة ومتآلفة ما بين أيادٍ تحمل الفرشاة وتصادق على اللوحة بمعناها الآني المرتكز على اللحظات ورتمها في خلق البعد الأجمل، أصدقاء الفن، تجمعهم الموهبة وحب الفن الرصين، كالفنان الجميل جلال لقمان الذي كانت لوحته تعبر عن فراشة ذات ألوان جميلة تمثل الخلاص من الجائحة كما يراها، بينما أتقنت الفنانة خلود الجابري لوحاتها المبلورة بطابعها النسائي المستوحى من البراقع. ويجسد فهد الجابري لوحاته بالأفكار الإنسانية الجميلة والقيم، وتحدث الفنان خليل عبدالواحد، عن لوحاته وأدواته، فكانت لوحات تعبر عن نوعية بناء البيوت القديمة، فحرفة البناء بالقرب من البحر تختلف عنها بالصحراء، فما يمتزج بالجص والتراب، وهذه دقة في عمل التشكيل بعمق نظرة الفنانين ومواهبهم التي اجتمعت لتفرز أعمالاً جميلة وساحرة. أما الأعمال التوثيقية فجاءت على قدر أهمية الحدث الجميل والمناسبة، فكان رفاق ياسر النيادي من المبدعين على موعد لإبراز مراحل مهمة من مراحل حياة الناس بمدينة العين، وحرفهم البسيطة من الخياط العربي إلى بائعي الطعام، وأول مقهى بالمدينة، إلى سوق البتان، وأفلاج العين المتدفقة سحراً.
إنها جمالية فكرية ذات أبعاد حرصت على إبرازها المبدعة سمية السويدي بالمزج ما بين الأيقونات الفنية للمتلقي الذي يبحر في عالم وحراك مفاصل الحياة بزمن مختلف حظي بالتجارب عبر السنوات والاحتفاء بمركز القطارة الذي يعتبر منارة ثقافية تتدفق حرصاً على المواهب وتصويبها.