- مثلما هناك حكاؤون بكاؤون، هناك حكاؤون متجملون، وجميعهم مهمتهم إعادة صياغة القصص في الحياة، ونقلها من الواقع إلى الخيال والأسطورة مع ذرف الدمع أو إضافة البهارات والتوابل عليها أو تغليفها بأجواء درامية غامضة أو تجميل بشاعة واقع القصص المر، ورفع مقامها لتصبح جاهزة ويمكن أن تدخل القصور وبيوت الناس، وتغدو سهلة لتسكن ذاكرتهم، ذلك أن القصص كلها عادية إذا لم تصاغ بطريقة فنية، وهناك أناس في الحياة دوماً مهمتهم الأساسية إعادة صياغة القصص، وتجميلها وتزيينها وحبكتها وغزلها لتصبح محط اهتمام، ولا تغادر الذاكرة الإنسانية بسرعة، ومثلما هناك مجملو القصص من الطرف المناصر، هناك مشوهو القصص من الطرف الآخر، هناك البكّاء وهناك المتجمل، وكلهم طباخون للقصص.
- حين يتوفى واحد مشهور على «السوشيال ميديا» أو نجمة فنية أو لاعب محبوب، كثيراً ما يختمون حياته بآخر تغريدة له أو آخر حديث قاله، وعادة ما يكون دعاء يغلب عليه السجع من محفوظات القديم أو كتب أو - كتب عنه - كلمات ودائعية لمتابعيه يطلب منهم السموحة والدعاء له أو يظهرونه زائر قبر من صوره الأرشيفية، ويزعمون أنها التقطت له قبل يومين، وأن ذلك الذي خطفه الموت فجأة كان يحس بذلك الهاجس، قصص هذه النهايات المصاغة تشبه نهايات الأفلام الرخيصة والروايات الساذجة.
- القصص التاريخية هي أكثر القصص التي يجتهد المتجملون فيها لكي يصيغوها بطريقة مؤثرة، وتخدم الهدف التعليمي والإرشادي الموجه، مثل قصة قبر «تيمور لنك» الذي مكتوب عليه من يحفر أو ينبش هذا القبر فستحل عليه لعنته، وسيهزم في ثلاثة أيام، ظل هذا القبر محفوظاً بسبب تلك العبارة المرسومة على شاهده أو هو الخوف الذي يحيط بالقبر، وهيبة ذلك القائد التاريخي الذي شارك هو وقادته وأحفاده في إبادة ما يقارب 17 مليون نسمة من الشعوب المختلفة، وحين أراد «ستالين» أن يكرمه في مقبرة القادة والعظماء الروس في موسكو، أمر أن ينبش القبر، وينقل رفات «تيمور لنك» الذي يعني «تيمور الأعرج»، وهو ما يحب أعداؤه أن يسموه، أما أنصاره فيسمونه «الأمير تيمور»، فتح القبر «كور أمير» رغم تحذير حراسه من لعنته، ونقل الرفات، وبعد يومين دخلت القوات النازية روسيا، فخاف «ستالين» و«ملاحدة» موسكو، وأرجعوا الرفات إلى سمرقند! فقاومت مدينة «سانت بطرسبورغ» المحاصرة حتى هزمت القوات النازية.
- والقصص كثيرة، كلها متشابهة، فقط يمكن أن تغير الأسماء، والأمكنة حتى تتناسب مع الشخصية، وقد ظهرت نهايات فردوسية لكل أولئك المجاهدين والمحاربين في جبال أفغانستان إبان الاحتلال الروسي لها، وكلها تدور حول طيور من الجنة تحف بالنعش، وظلال غمامة تتبعها، ورائحة المسك تنبعث من قبر الشهيد، على الرغم من أن الإخوان من الباتان وشعوب أفغانستان تقاتلوا مع بعضهم، وأبادوا بعضهم بعضاً، لكنَّ مجملي القصص أبوا إلا أن تكون النهايات تليق بدماء المجاهدين، وتضحياتهم الجسيمة، والحط من قدرات الجندي الروسي الذي لا يدافع عن «عقيدة»، كما كانوا يقولون، ويفهمون معنى العقيدة، ناسين «عقيدة» الجيش الأحمر التي لا يعترفون بها، وكان لا يستشهد مجاهد أفغاني إلا ويأخذ معه رتلاً من الجنود الروس، ولو كان أعزل، وهم مدججون بالسلاح، مثل ذلك المجاهد راعي الغنم الذي هزم سَريّة سوفيتية بثغاء ماشيته أو ذاك «المجاهد» الذي هزم كتيبة عسكرية محترفة بإشعال النار في أشجار الجبل المتفرقة، ووضع على بعض الدواب مصابيح وأطلقها في دروب الجبل!