الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبومدين.. رجل أشعل نار الحداثة في السعودية

أبومدين.. رجل أشعل نار الحداثة في السعودية
19 يوليو 2018 21:17
وصفه وائل أبو منصور في جريدة الشرق الأوسط (7/6/2014) بـ «الطحسني» نسبة إلى طه حسين، الذي تأثر به كثيراً. أما هو فقال بتواضع العلماء في كتابه الشهير «حكاية الفتى مفتاح»: «حياتي ليس فيها شيء يستحق التسجيل والحديث، لأنها حياة أمثالي ممن عاش اليتم والجهل والفقر»؛ إنه الأديب السعودي الكبير عبدالفتاح محمد أبومدين، الذي عاش حياة اليتم والجهل والفقر والعذاب، فقد حفلت حياته بالإنجازات الأدبية الرفيعة التي أثرت الساحة السعودية، وأسهمت في خلق وعي حداثي المضمون، ما جعله من الرموز الكبيرة التي وقفت مبكراً في وجه المتشددين، وأشعلت نار الحداثة التي «أنضجت كل ما هو نيء»، بحسب تعبير زميله عبدالله الغذامي في جريدة الرياض (21/9/2013). وولد أبو مدين سنة 1925 بمدينة بنغازي لأبوين ليبيين فقيرين. وبسبب عدم وجود مدارس عربية في ليبيا وقتذاك، اكتفى بتعلم القرآن الكريم في الكتاتيب، ورفض الالتحاق بالمدارس الإيطالية خشية تجنيده للمحاربة مع الجيش الإيطالي. وحين توفي والده وهو في الثانية عشرة، اضطر أن يدخل سوق العمل. عن هذه المرحلة كتب وائل أبومنصور (مصدر سابق): «ذهب (أبو مدين) ليفتش عن عمل، فوجد عملا في البناء لكن عضلاته الواهنة لم تساعده على الاستمرار، تركه وعمل في مقهى، ثم في فرن، يحمل في سن يفاعة كيس دقيق يزن 80 كيلوجراماً». والمنعطف الأهم في حياته، طبقاً لما ذكره بنفسه خلال تكريمه في «إثنينية عبدالمقصود خوجة» سنة 1984، كان في عام 1942، حينما تمكن خاله من الوصول إلى السفير البريطاني في جدة كي يتوسط لدى الإدارة البريطانية، التي كانت تحكم ليبيا بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، لتسهيل سفره مع والدته إلى الحجاز. وبمجرد وصوله إليها واستقراره مع خاله في المدينة المنورة، التحق بـ«دار العلوم الشرعية»، وتخرج فيها بعد عام ونصف العام تقريباً من الدراسة، ورغب في مواصلة تعليمه، إلا أن تقاعد خاله، الذي كان يعوله جعله يعود إلى سوق العمل، موظفاً في دائرة الجمارك. وفي عام 1951، ومن بعد قراءته لأعمال طه حسين، قرر أبومدين دخول عالم الكتابة، وهو الذي رُوي عنه قوله إنه كان في مدرسته ضعيفاً في مادة الإنشاء، لكنه أصلح الخلل بالقراءة المكثفة. وارتبط اسم أبومدين، وهو لايزال موظفاً في الجمارك، بالصحافة. فقد تعاون مع محمد سعيد باعشن في إطلاق صحيفة «الأضواء» الأسبوعية عام 1957. ليتولى باعشن رئاسة تحرير الصحيفة، فيما شارك أبومدين بالملكية والكتابة وإدارة التحرير، إضافة إلى رئاسة تحرير سلسلة «كتاب الأضواء» الشهرية التي صدرت عنها ستة كتب. وتعرضت «الأضواء»، رغم صدور 90 عدداً منها على مدار 20 شهرا، للكثير من الإشكالات بسبب اندفاع كتابها من ناحية، وشراسة صاحبها باعشن في انتقاد شركة «أرامكو»، بحجة التمييز ضد موظفيها السعوديين في الأجور والإجازات والخدمات، وضعف تبرعاتها الداخلية، وتخلف خدماتها الطبية، وسوء نظام ترسية أعمالها على المقاولين. ويقول محمود عبدالغني صباغ في مدونته عن حملة «الأضواء» ضد «أرامكو»: «صدرت أوامر بسحب رخصة»الأضواء«بذريعة نشر تحقيق»سالم شاري نفسه«(تحقيق عن قصة من القصص المحلية حول تحرير الرقيق)، لكن أصحاب الجريدة أكدوا أن حملتهم ضد أرامكو لعبت دوراً رئيساً على الأقل في اتخاذ القرار». وبإيقاف «الأضواء» خرج باعشن من عالم الصحافة نهائياً، لكن أبو مدين لم يستسلم، وقرر خوض تجربة صحفية جديدة أثمرت عن ظهور مجلة «الرائد» بجدة عام 1959، والتي كان مالكها ورئيس تحريرها، إلى حين توقفها عن الصدور سنة 1963 أي بـُعيد صدور نظام المؤسسات الصحفية بدلا من ملكية الأفراد للصحف. ولم تخلو مجلته «الرائد» من المعارك الأدبية العنيفة بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، لكن أبومدين عمل على المواءمة بين الطرفين ومنع تطاول أحدهما على الآخر. ولم ينته مشوار أبومدين في الصحافة باحتجاب «الرائد»، فقد تولى لمدة 7 سنوات رئاسة تحرير صحيفة البلاد (صوت الحجاز سابقا)، واستطاع بسياساته الحكيمة أن يُخرجها من المديونية إلى الربحية، كما ترأس تحرير الملحق الأسبوعي لصحيفة «عكاظ»، فجعله ينافس العدد اليومي. ومن باب الشهرة الصحفية اقتحم ميدان الأدب فتولى رئاسة «النادي الأدبي الثقافي» بجدة في الفترة بين 1980 إلى 2006. وهي فترة ذهبية في تاريخه ليس لأنها ارتبطت بجهود الرجل في إقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات، واستضافة عمالقة الأدب والفكر والنقد العرب، وإنما أيضا لأن تلك الفترة اتسمت بضجة ثقافية كبيرة وحراك غير مسبوق، ومناخ تنويري يليق بعروس البحر الأحمر وتاريخها بمشاركة الجنسين من مثقفيها. ومن إسهاماته أيضاً في هذه الفترة تنويع منتجات وإصدارات النادي من مطبوعات ودوريات متخصصة مثل «جذور»، و«نوافذ»، و«علامات»، و«الراوي»، و«عبقر». ولم يكن نجاح أبو مدين الثقافي راجعاً فقط إلى شعاره «الثقافة مغارم وليست مغانم»، وإنما أيضاً إلى ما بينه عبدالله الغذامي في صحيفة «الرياض» حول طريقته في العمل القائمة على العصف الذهني، التي يبدأها بسؤال ثم يترك الكرة بيد اللاعبين يتداولونها فكرة فكرة، وهو يراقب ويصغي ويتفحص، فإذا ما اصطاد الفكرة من ضمن خيارات عدة، بدأ التنفيذ معتمداً على عنصري الشجاعة والتخلي عن البيروقراطية، والمضي قدماً في التنفيذ بالاعتماد على جهده الشخصي دون الاتكال على الآخرين. غير أن كل ما سبق لم يشفع للرجل لدى بعض الشباب المتطرف الكاره للتجديد والانفتاح، فشنوا عليه حملة شعواء، خصوصاً بعد أن أقام في النادي أمسية لشاعرات سعوديات، فصدر قرار من «الرئاسة العامة للشباب والرياضة» بإقالته من رئاسة النادي، لكن بعد مضي أسبوع وصل خطاب من الجهة ذاتها يعيده لمنصبه. ووجد أبومدين متسعاً من الوقت لإمداد المكتبة السعودية والعربية بمؤلفات في ضروب الصحافة والأدب والتاريخ والنقد والسيرة الذاتية. وفي يناير 1955 كان أبومدين على موعد للالتقاء للمرة الأولى بمثله الأعلى في الكتابة طه حسين، حيث جاء الأخير إلى جدة للمشاركة في اجتماعات اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية التي كان يترأسها آنذاك. ويقول الكاتب عصام حمدان في جريدة «المدينة» السعودية (4/6/2010) إن أبومدين كتب مصوراً مشهد وقوف طه حسين متحدثاً في جدة فقال: «ويقف الرجل في سمت الكبار، آخذًا في الحديث، بتلك العذوبة النادرة، كأنه نبعٌ زلالٌ قراحٌ يفيض سهلاً متدفقًا في تلك التموّجات التي تشبه السيمفونية المتميّزة في إيقاعها وتأثيرها على السامعين، لا لحنَ ولا توقفَ، ولا يُرتج عليه، تكلّم أربعين دقيقة متواصلة، وكان عمره يومئذٍ ستًا وستين سنة، وكأنه إبن الأربعين، أو ما حولها». وفي مايو 2018 اختارته السعودية ليكون شخصية العام الأدبية لسنة 1439 للهجرة، وزاره وزير الثقافة والإعلام في منزله ليؤكد مكانته الكبيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©