الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمل جعفر.. ثلاثة عقود من الهيام بالمايكروفون

أمل جعفر.. ثلاثة عقود من الهيام بالمايكروفون
26 يوليو 2018 21:09
في التاريخ الإعلامي للكويت هناك مكانة خاصة للراحلة أمل جعفر، ليس لأنها من أوائل المذيعات في تلفزيون الكويت الرسمي، الذي بدأ بثه الأول بالأبيض والأسود في نوفمبر 1961، وإنما أيضاً لأنها كانت الأولى الناطقة بالإنجليزية في الإذاعة الكويتية سنة 1965، فضلاً عن سجلها الحافل بالأعمال الإعلامية الناجحة في التلفزيون والإذاعة. ولدت المذيعة القديرة أمل وفيق محمد مصطفى جعفر الزغبي، الشهيرة بأمل جعفر في لبنان سنة 1942 ابنة لأبوين كويتيين. وإذا كان والدها «وفيق جعفر» ليس من المشاهير، فإن عمها «عزت جعفر» أشهر من نار على علم لكونه قدم إلى الكويت عام 1935 من مصر بصحبة الشيخ أحمد الجابر، الذي كان يبحث وقتها عن شاب مثقف ومطلع ويجيد اللغات الأجنبية، كي يخدمه كمستشار ومرافق ضمن سكرتارية قصر دسمان بدلًا من المستشارين الذين تقدموا في السن، ولم يعدوا قادرين على الاستجابة لمتطلبات مرحلة تحولات ما بعد الحرب العالمية الأولى من توقيع معاهدات وترسيم حدود وإرساء تفاهمات مع القوى الكبرى. وجاءت أمل جعفر إلى الكويت من لبنان للمرة الأولى في سنة 1945 وعمرها لا يتجاوز سنتين ونصف السنة، فدرست فيها لبعض الوقت، لكنها عادت إلى لبنان لتلتحق هناك بمدرسة فرنسية، قبل أن تعود مجددا إلى الكويت وتترعرع بها، وتدرس المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية بمدارسها. وبعد أن أنهت دراستها الثانوية أرادت أن تواصل تحصيلها الجامعي، لكن الكويت لم تكن بها جامعة آنذاك، كما أن والديها وعمها رفضوا سفرها إلى الخارج بمفردها، فبكت وأضربت عن الطعام وحبست نفسها في غرفتها لأيام، طبقاً لما قالته في حوار مع جريدة «عالم اليوم». وخلال مرحلة رفض أهلها لفكرة استكمال تعليمها الجامعي، عززت أمل ثقافتها بإتقان اللغات الأجنبية، وقراءة الأعمال الروائية لكبار الروائيين العرب والغربيين، والإطلاع على مختلف المطبوعات في شتى فروع المعرفة، كما أنها كانت متيمة بمتابعة البرامج الإذاعية التي كانت تبثها محطتا صوت العرب وهيئة الإذاعة البريطانية. أما التحاقها بالتلفزيون والإذاعة فحكاية درامية منفصلة، بدأت وهي لم تتجاوز 18 عاماً، حيث روت تفاصيلها قائلة: «عندما تم افتتاح تلفزيون الكويت تحدث الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (وزير الأنباء والإرشاد آنذاك) إلى والدي وعمي لكي أعمل بالتلفزيون لكنهما كانا مصرين على الرفض، واستمرت المحادثات لفترة طويلة من الزمن حتى اقتنع والدي، وكان اقتناع أهلي مشروطا بأن يكون عملي في فترات محدودة، وأن يكون ذهابي وعودتي مع أحد من الأهل». وأضافت أن رئيس التلفزيون آنذاك خالد المسعود الفهيد كان يعيدها أحيانا إلى منزلها بسيارته ويسلمها لوالديها يدا بيدا، وبسبب فضل سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عليها لجهة إيمانه بمواهبها وتشجيعه لها على الالتحاق بالعمل الإعلامي، فإن أمل رددت كثيرًا في أحاديثها أنه بمثابة أبيها الروحي، خصوصاً وأن سموه ارتبط لسنوات طويلة بعلاقة صداقة وطيدة مع عمها عزت جعفر. وبدأت أمل العمل الإعلامي قبل أن تكمل عامها الـ18 لتدخل التاريخ كأصغر مذيعة تلفزيونية تلتحق بالتلفزيون الكويتي في بداية مسيرته، لكنها قبل ذلك، أي حينما كان التلفزيون يقوم بالبث التجريبي، خاضت عملية تدريب وتأهيل على الإلقاء والإنصات والتفاعل لأكثر من شهرين على يد الفنان الكبير زكي طليمات الذي كان وقتذاك معارا للعمل في الكويت. وعلى الرغم من أن خطواتها الإعلامية الأولى بدأت من التلفزيون، فإنها عشقت الإذاعة وميكرفوناتها وهامت بها، بدليل أنه، بمجرد شروع الإذاعة والتلفزيون في عملية تبادل طواقمهما في الستينيات، قررت أن تنتقل عام 1965 إلى الإذاعة لتصبح أول مذيعة تقدم برامج باللغة الإنجليزية. وهكذا نجحت أمل وسطع نجمها، بسبب حبها وحماسها للعمل الإعلامي وإخلاصها وتفانيها وتجاوزها لكل العقبات في ذلك الزمن المبكر، فضلا عن حرصها على التعلم من أخطائها، وتفادي الصدامات مع الآخرين والعمل بروح الفريق الواحد. ولعل أحد دلائل تميز أمل جعفر في عملها الإعلامي نجاح البرامج التي قدمتها، والتي بدأت بالبرنامج التمثيلي القصير «أنا غلطان» من إعدادها وتقديمها وإخراجها وتمثيل كبار نجوم ذلك الزمن من أمثال سعد الفرج وخالد النفيسي ومريم الغضبان ومريم الصالح. وهذا البرنامج الذي أظهرت فيه موهبة متوقدة، وكان توطئة لقيامها بتقديم برامج أخرى، على رأسها برنامج «خلي بالك»، وهو برنامج تمثيلي يُعنى بالسلوك والتوجيه، مدته خمس دقائق، وكان يعده الفنان سعد فرج والدكتور نشمي عبدالكريم، ثم برنامج «أروع الألحان» الذي كان يعرض الألحان والأغاني المفضلة عند الغرب والعرب للمقارنة بينها والتحدث عن مزايا كل لحن، وهو ما ساهم في ظهور جيل كويتي شاب من متذوقي الفن بمختلف أشكاله. أما في التلفزيون، فقدمت برامج الحوار مع فنانين ومثقفين عرب من زوار الكويت، إضافة إلى تقديم سهرات على الهواء مباشرة مع الفنانين من خلال برنامج «ليلة خميس». وفي حياة أمل جعفر ثلاثة منعطفات، أولها دخولها مجال الإعلام المرئي والمسموع، وثانيها ارتباطها بزميلها الإعلامي وأحد مؤسسي تلفزيون الكويت المرحوم رضا الفيلي. وحول زواجها قالت أمل إن «تقدم رضا يطلبني أول مرة وثاني مرة وثالث مرة في عام 1962، وكان طلبه يقابل بالرفض من أهلي. بعد ذلك تدخل الشيخ عبدالله الأحمد الصباح (رئيس دائرة الأمن العام في الخمسينيات) والشيخ صباح الأحمد الصباح في الموضوع، وأيضا أولاد الحلال كلموا أهلي وبعد إلحاح وافق أبي وتزوجنا». وأضافت: «كانت الخطبة في بيت والدي عام 1964، وتم عقد القران في أواخر 1964 في بيت الشيخ صباح الأحمد وكان هو الشاهد الأول على عقد الزواج، والشاهد الثاني عبدالرزاق البصير رحمة الله». وفي مكان آخر قالت ما مفاده بأنها بدأت مع رضا الفيلي صغيرين وكبرا معا، واصفة ذلك بقمة السعادة واللذة في حياتهما، ومؤكدة أنهما اعتمدا على أنفسهما، فاستأجرا شقة صغيرة مكونة من غرفة في شارع الهلالي كي تكون عش الزوجية، الذي توطدت أركانه بميلاد خالد وخلود ونجود وعنود. أما المنعطف الثالث فتمثل بسفر الزوجين إلى الولايات المتحدة عام 1969، حيث ابتُعث الفيلي لإكمال دراسته الجامعية في مجال الإعلام، فيما سافرت هي معه كمرافقة أولا قبل أن تحصل من وزارة الإعلام على إجازة مفتوحة للدراسة. وقد استغلت أمل فترة تواجدها مع زوجها في أميركا، والتي انتهت في عام 1974، في دراسة الإعلام والعلاقات الدولية. وبعد 33 عاماً من العطاء، والجلوس خلف ميكروفونات الإذاعة أو الوقوف أمام كاميرات التلفزيون، بكل ما استوجبته ظروف البدايات المبكرة من مشقة، قررت أمل عام 1993 أن تعتزل العمل الإعلامي، للتفرغ لرعاية أبنائها وبناتها وأحفادها. وفي حوارها مع جريدة «عالم اليوم» تحدثت حول تراجع دور الكويت في إثراء المشهد الخليجي والعربي بالمهرجانات الإذاعية والتلفزيونية، قائلة: «كانت الكويت أول دولة خليجية إعلاميا لدرجة أن أشقاءنا من سلطنة عمان والسعودية والبحرين والإمارات يتدربون على أيدينا». ومن الطرائف التي كانت أمل بطلتها خلال عملها بالإذاعة الكويتية يوم نطقت عبارة «أيها الساعة السادة الآن» بدلا من عبارة «أيها السادة الساعة الآن»، بسبب الارتباك والرهبة. وفي 12 يناير 2014 غيب الموت أمل جعفر عن 71 عاما، من بعد صراع مع المرض. فنعاها وأثنى عليها كبار رموز الإعلام في وطنها، وفي مقدمتهم، وزير الإعلام الشيخ سلمان صباح الحمود الصباح الذي وصفها بـ«العلامة الفارقة في سماء الإعلام الكويتي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©