الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«التعلم العميق» لا يكفي للوصول إلى الذكاء الصناعي المطلوب

«التعلم العميق» لا يكفي للوصول إلى الذكاء الصناعي المطلوب
5 أغسطس 2018 21:34

نحن نحقن كل شيء بالذكاء الاصطناعي، مركبات ذاتية القيادة، أطباء روبوت، التصنيف الائتمان الاجتماعي لأكثر من مليار مواطن صيني، وغير ذلك. ويدور النقاش حالياً حول كيفية جعل الذكاء الصناعي يقوم بمعظم المهام التي يتولاها الإنسان يومياً. وما كان ذات يوم مجرد اهتمام أكاديمي بحت، أصبح الآن واقعاً ملموساً وصناعة بمليارات الدولارات تهدد مستقبل الجنس البشري.
إلا أن النقاش يدور الآن حول ما إذا كانت المقاربات الحالية لبناء الذكاء الصناعي كافية أم لا؟ فمع بعض التعديلات، وقوة حوسبة كافية، سيكون بمقدور التكنولوجيا التي لدينا مضاهاة «الذكاء» الحقيقي في الحيوان أو الإنسان؟
ومع استمرار هذا النقاش، فإن أنصار «التعلم العميق» للآلات يشيرون إلى ورقة تاريخية صدرت عام 2012، أعدها 3 باحثين بجامعة تورنتو في كندا، على أنها ترسم المستقبل القريب. وفي حين أن الورقة كانت بعيدة جداً عن النهج الوحيد للذكاء الصناعي آنذاك، فإن البحث أظهر أنه يمكن للآلة أن تمتاز بقدرات تفوق ما حققته تقنيات الذكاء الصناعي السابقة. وتشير كلمة «عميق» في نظام «التعلم العميق» إلى شبكة من طبقات خلايا عصبية صناعية. وكما هو الحال في نظيرتها البيولوجية، فإن النظم العصبية الصناعية التي تمتاز بطبقات أكثر، تكون قادرة على أنواع أكثر تعقيداً من التعلم. ولفهم الشبكات العصبية الصناعية، تخيل مجموعة نقاط في الفضاء مرتبطة بعضها ببعض مثل العصبونات في العقل البشري. ويعد ضبط قوة الروابط بين هذه النقاط مناظر لعملية التعلم في الدماغ. وأنظمة التعلم العميق اليوم لا تشبه أدمغتنا. ففي أحسن الأحوال، تبدو وكأنها جزء خارجي من شبكية العين، حيث تقوم بضع طبقات من الخلايا العصبية بمعالجة أولية للصورة.
ومن غير المحتمل أن تستطيع هذه الشبكة القيام بكل المهام التي تستطيع أدمغتنا القيام بها. لأن هذه الشبكات لا تعرف أشياء عن العالم كما يفعل المخلوق الذكي حقاً، فهي هشة وسهلة الانخداع بالأنماط المتشابهة. في إحدى الحالات، خدع الباحثون خوارزمية التعرف إلى الصور الشائعة من خلال تغيير «بكسل» واحد فقط. ورغم محدودية قدراته، فإن التعلم العميق يدعم برامج التعرف إلى الصور والصوت والترجمة الآلية وغيرها، وهو القوة الدافعة وراء رقائق «إيه آي» من «جوجل» العاملة في السحابة الإلكترونية، وتقنية السيارة ذاتية القيادة لشركة «إنفيديا كورب».
وقال أندرو نغ، أحد العقول الأكثر نفوذاً في الذكاء الصناعي والرئيس السابق لقسم الذكاء في شركة «بايدو» الصينية، إنه مع التعلم العميق، يجب أن يكون الكمبيوتر قادراً على القيام بأي مهمة عقلية يقوم بها الإنسان العادي في ثانية أو أقل. وبطبيعة الحال، يجب أن يكون الكمبيوتر قادراً على القيام بذلك بشكل أسرع من الإنسان.
على الجانب الآخر من هذا الجدل، هناك باحثون مثل جاري ماركوس، الرئيس السابق لقسم الذكاء الاصطناعي في «أوبر تيكنولوجيز». وهو حالياً أستاذ في جامعة نيويورك، ويجادل في أن التعلم العميق غير كافٍ على الإطلاق لإنجاز الأشياء المختلفة التي يقوم بها الإنسان. ولا يمكن أبداً أن يكون قادرا على اغتصاب كل الوظائف ويقودنا إلى مستقبل شبيه بالنظم الشيوعية لكنها مؤتمتة بالكامل.
ويقول ماركوس إن الوصول إلى «الذكاء العام»، الذي يتطلب القدرة على التفكير، والتعلم الذاتي، وبناء النماذج العقلية عن العالم، سيتطلب أكثر مما يستطيع الذكاء الصناعي القيام به اليوم. ويضيف: «إن قطع التعلم العميق لمسافات كبيرة لا يعني أنه الأداة المناسبة للوصول إلى التعقل أو التفكير المجرد»، كما يستطيع البشر. ولنقفز إلى أبعد من ذلك مع الذكاء الصناعي، «نحتاج إلى أن نستلهم من الطبيعة»، كما يقول الدكتور ماركوس. و«هذا يعني إضافة أنواع أخرى من الشبكات العصبية الصناعية، وفي بعض الحالات منحها معرفة فطرية مبرمجة مسبقاً، مثل الغرائز التي تولد بها كل الكائنات الحية».
ويتفق مع ماركوس العديد من الباحثين، ويعملون على تكملة أنظمة التعلم العميق للتغلب على هذه القيود، كما يقول ديفيد دوفينود، الأستاذ المساعد في التعلم الآلي في جامعة تورنتو. وأحد مجالات البحث المكثف هو تحديد كيفية التعلم من مجرد أمثلة قليلة لظاهرة ما، بدلاً من ملايين الأمثلة التي تتطلبها عادة أنظمة التعلم العميق. كما يحاول الباحثون إعطاء الذكاء الصناعي القدرة على بناء نماذج عقلية للعالم، وهو أمر يمكن حتى للأطفال تحقيقه بنهاية عامهم الأول. وهكذا، في حين أن نظام التعلم العميق الذي شهد تطوراً في مجالات معقدة ونجح في بناء سيارات وحافلات مدرسية بمواصفات وقدرات خاصة، قد يفشل في تحديد ماهية رقم مكتوب بشكل عكسي، وهو الأمر الذي لا يخطئه عقل بشري.
إن تكميل التعلم العميق بأنواع أخرى من الذكاء الصناعي أمر جيد، كما يقول توماس ديتريتش، الرئيس السابق لجمعية تطوير الذكاء الصناعي، ويقول ديتريتش: «بالنسبة إلى البحث في التعلم الآلي، فإن الهدف هو معرفة إلى أي مدى يمكننا الحصول على أنظمة الكمبيوتر يمكنها التعلم من البيانات والخبرات فقط، بدلاً من إدخال هذه المعرفة يدوياً». والمشكلة ليست أن المعرفة الفطرية في الذكاء الصناعي سيئة، لكن في أن البشر لا يعرفون أي شكل من أشكال الفطرة هو الأصوب لتغذية الذكاء الصناعي به». ويقول الدكتور دوفينود: «من حيث المبدأ، لا نحتاج إلى النظر في علم الأحياء لمعرفة كيفية بناء أنظمة الذكاء الصناعي المستقبلية، كما أن أنواع التقنيات والأنظمة الأكثر تطوراً، التي ستلي أنظمة التعلم العميق لم تعمل بعد».
ويشير ماركوس إلى أنه «حتى نتوصل إلى كيفية جعل أجهزة الذكاء الصناعي أكثر ذكاءً وقوةً، علينا أن نسلّم لهم كماً كبيراً من المعرفة البشرية الموجودة. وهذا يعد كثيراً من الذكاء في أنظمة الذكاء الصناعي، مثلا برامج القيادة الذاتية للسيارات ليس صناعية على الإطلاق، بل مبنية على ما نضيفه لذاكرة الآلة من خبراتنا البشرية في هذا المجال. فبقدر ما تحتاج الشركات إلى تدريب سياراتها على عدد من الطرق الحقيقية بأكبر عدد ممكن من الأميال، بقدر ما تجعل هذا الأنظمة قادرة حقاً على القيادة الذاتية، وسيتطلب ذلك أيضاً إدخال قدر كبير من المنطق البشري عند اتخاذ القرارات خلال القيادة، وهو الأمر الذي يعد انعكاساً للمنطق الذي يتبناه المهندسون الذين يقومون ببناء السيارات ذاتية القيادة عند اختبارها».

بقلم /‏ كريستوفر ميمز

المصدر: الاتحاد - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©