لم تكن مصادفة أن يلتقي النسب مع الجمال بالعلم وحسن الخلق في أشخاصٍ بعينهم، إن تلك المنظومة قدر مُقَدَرٌ من رب العِزة.. فتزوجت الأختان في ليلة واحدة من شباب الوطن الذين يلبون نداءه على جبهات العلم والعمل. وعلى شواطئ السعديات وفي قاعة ملأتها الورود أطل ضوء وجالت لآلئ في مساحة «متروسة» من المحبين، عيون كثيرة كانت تجول بحثاً وتمعناً في ذلك الجمال الذي سار أمامنا ببطء وابتسامة ووجه يشع منه الحياء والقيم والأخلاق والمحبة. في القاعة سمعت عروس معرس ومعاريس فذهبت إلى «لسان العرب» الذي أجاز لفظة عَرُوس للرجل وعُرُوس للمرأَة كما تسمى الوليمة عُرْساً! إذن نحن منغمسون في عرس من ساسنا إلى راسنا!
تعرفت على هذه الأسرة التي هي تعبير عن ارتباط الأجيال قبل سنواتٍ خلت، وجنيت من تلك السنين وقتاً جميلاً احتمل الطرائف والذكريات ومرحلة النضوج وعنفوان الشباب وفطور رمضان ولباس العيد، وزياراتي المتكررة لمنزلهم والضيافة والحفاوة والتقدير الذي لم أجد له مثيلاً إلا هناك، كنت أتعلم من هؤلاء الفتيات الصغيرات القيم التي جاءت من صحراء الظفرة وعززت فيهن أهمية السنع والموروث والحكمة. وتعجبني علاقة والدهن ببناته فهو شهمٌ ذو ابتسامة لا تعرف اليأس، وحنان الأب الذي تكفي نظرة منه لتعديل سلوك، أما كلمته فهي انسيابية كالماء لا يقف أمامها حتى الجبل، تعرف طريقها وتفي بمبتغاها وتفك وتربط كما نقول برمستنا.
تعيش بنات المسك والعبير بقلوبٍ تعكس عمق الموروث الإماراتي فهي ناصعة وشفافة مليئة بالعفة والعفاف والنوايا الحسنة، وعلى طبيعة البيئة والأهل حتى عندما تعصف زوابع الحياة بسفنِ المحِن كن يبحثن عن كلمات وأفعال تُغير مسار تلك الرياح فتتهادى السفن إلى مراسي الأمان والانسجام. هذه الصور المثالية لآدمية الإنسان قرأت عنها في الكتب كثيراً، ولكني عندما لامست تجسدها رفعتُ يدي إلى السماء وقلت لأمل الحياة: «غفر الله لوالديك فقد أحسنتم التربية» فردت بكل ثقة وحياء: «هذيلا عيالكم وهذي تربيتكم»، هذا الرد كغيره من أعمدة الذكاء الأخلاقي وعليه أن يكون جزءاً من منهج التربية الأخلاقية. فهذا ما قصده المؤسس الباني المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما قال: «أعطوني زراعة.. أضمن لكم حضارة» فزراعة وغرس القيم على أرضٍ خصبة، وبمثال أعلى نراه أيضاً في الشجرة الأم، نراه في الأبناء والأحفاد، وهذه هي الاستدامة الحقّة. إن بركة الوالدة الكبرى وحسن تربيتها وحكمتها تطال الأحفاد، طالما هناك امتداد وتمسك بمفهوم العائلة الممتدة وتواصل ومحبة ونوايا لا تعرف اللون الرمادي.
للعارفين أقول: هذا ما تعودناه عندما تحيط المودة الأبناء ويحتضن الوالدان قيماً لا حياد عنها، وهذه هي الصورة التي تترك انطباعاً لا ينسى في الذاكرة. ندعو الله لهم ولكل المقبلين على بناء المستقبل بسعادةٍ ليس لنهايتها نظير ومودة تجعل من قادم أيامهم ومن ذريتهم الصالحة تربية تشبههم حتى يستدام الجمال.