كتبت صديقة قديمة تتجدد مودتها في قلبي حتى عندما تبعثر المسافات وأوراق الحياة خطانا فلا نلتقى، رسالة نصية تقول فيها: «مرحباً العاش.. شحالك؟ حبيت أتطمن عليك؟»، انتهى ذلك السؤال برسمٍ لقلبٍ أبيض فكان ردي عليها: «أنا على ساحل ممتد تزوره أمواج يتحكم في قوتها القمر.. بين البحر والجبال شواطئ ووديان من الذكريات والطبيعة.. الحمد لله على كل جميل نراه في العالم وفيمن حولنا وفينا.. القراءة علاج.. شكراً على جمال السؤال والقلب الأبيض»، فكان ردها: «استمتعي» لحقت تلك الكلمة صورة لقلبٍ أحمر. تركت هاتفي وجلست في زاويتي المعتادة، يواجه البحر من الشرق وتدس الجبال نظراتها الخجولة من الجنوب.. تنتظرني بالقرب من كوب الشاي السليماني من دون سكر ثلاثة كتب «عبقرية خالد»، و«العاقل» و«هاتف من الأندلس».. بماذا أبدأ.. سرحت أفكر عن القاسم المشترك بين هذه العناوين، فأدركت أنها «الإنسانية».ولكن ما هي الإنسانية؟ الملموس منها الإنسان بشحمه ولحمه ولاسيما عندما يكون في مجموعة بشرية، وغير الملموس منها هي صفاته الدالة على الخير والرحمة والتسامح، والتعاون، واللطف، والتفاهم، والأخوة والأهم من بينها الآدمية. كلها معانٍ جسدها الآباء والأجداد لنا في تضحياتهم وفي القيم والمبادئ التي عاشوا وماتوا عليها فهناك سنع، ومذهب، وسنة وسالفة، عادات وتقاليد، أعراف ومحتشم وهناك سلك وسلوك، وهناك المنقود وقوانين الحياة التي ضمنت الأمن والأمان وراحة البال الذي ننعم به اليوم. هل تؤدي الإنسانية إلى السعادة؟ نعم، لقد عَاصرتُ جيل الأولين ولمست سعادتهم المتمثلة في الستر والتعايش والسلم واحترام ملكية الغير والتعاون والبساطة التي اعتمدت عليها حياتهم اليومية وما تحمله سفن تجري بها الرياح وأخرى تخترق الرمال.. لا ماركة تجارية ولا درجة أولى ولا كوفي من مخلفات الحيوانات أو مثلجات بأوراق الذهب.
بالأمس أرسلت لي ذات الصديقة رسالة «عاشة... ما هي تطلعاتك لعام 2024»، فقلت لها تقصدين «عام الإنسانية» لديّ 3 مبادرات، أولاً، رفع مستوى الأداء والولاء لدولة الإمارات وقيادتها وبيئة عملي ومجتمعي الأسري والعام والعالمي. ثانياً، سأرى الآخرين بمنظار يقيس سعادتهم وسأكون جزءاً من تلك السعادة. ثالثاً، لن يغمض لي جفن قبل أن أفعل شيئاً إيجابياً وإن كان التبرع بدرهمٍ إماراتي واحد. هذه هي أهدافي في عام الإنسانية ولا تنسي يا عزيزتي أن التطور الأساسي الذي حلّ في جماعات الإنسان الأولى اعتمد على التعاون والتكاتف ما ضمن لها البقاء والاكتشاف وبناء المملكات والحضارات التي اعتمدت على العلم ثم السيطرة والاستعمار... والباقي عندك.
للعارفين أقول، كل عام والإمارات وحكامها وشعبها والمقيمون على أرضها بجمال إنسانيتهم يرون العالم كما يجب أن يكون، مفعماً بالخير والأمان وقبول واحتواء الآخر والتعايش السلمي والتعاطف والتكاتف والتعاون وكلها مبادئ وأسلوب حياة وفطرة خص الله تعالى الإنسان بها دون سواه.