منذ كنت في الصف الثالث الابتدائي وكلمات نشيد العيد لا تفارقني، لأنها تشمل جميع تضاريس العيد للكبار والصغار والمجتمع. كلمات النشيد تصف ذلك اليوم بطبيعة حاله فتقول «خرجت يوم العيد.. بملبسي الجديد.. أقول يا إخواني.. هيا إلى الدكانِ.. فيومنا سعيد.. وعندنا نقود.. نلعب طول اليومِ.. إلى زمانِ النوم.. أنا أحب العيدا..أحب أن يعودا.. فكله جمالُ.. يُحِبُه الأطفالُ». وكم ثار فضولي لتوحيد كلمات هذا النشيد لجميع الأطفال في عهدنا، إذ كنا بالفعل نفرح بالجديد وبالنقود والذهاب إلى الدكان لتبدبد تلك الثروة في الخراوشين والحلويات والألعاب التي تعمل نظرياً وتتفكك عملياً. كل ما كان يهمنا هي القوة الشرائية والاستقلالية في ذلك القرار الذي يحدده اللون والشكل ورصيد العيدية.
مثل التراث الثقافي اللامادي، كلمات ذلك النشيد ليس لها مؤلفٌ معروف، وقد باءت محاولاتي في البحث عن شخص أو شخصية تقف وراء تلك التعابير الخلاقة. النشيد به فرحة عيد بالملابس والعيدية وتعاون بين الأطفال للذهاب إلى الدكان، ورغبة الأطفال في الفرح والسعادة الدائمة والظروف الاستثنائية التي يوفرها العيد. لم أصل إلى مؤلف، وكما في فن العيالة الذي كان جزءاً من العيد، نحن لا نعرف من هو قائل الكلمات التي يرددها الرجال ومنها «ويرينا الونة والبارحة ساهرين.. ويرينا الونة». هكذا كانت مناهج التعليم جزءاً لا يتجزأ من واقع الفرد في مجتمعه يتفاعل معها الطفل، وينشأ متشرباً قيم السعادة والفرح، مستذكراً أهمية المناسبات فتصبح جانباً مهماً من هويته ومعارفه المتراكمة عن ذاته ووطنه وجميع من حوله.
كانت الملابس الجديدة تجدد في أعماقنا ونفسيتنا قيمة العيد، وذلك لخصوصيتها ولتباهينا بين الناس بأننا نلبس جديداً. بالرغم من جمال المنظر الذي وصفت، كنت في كل عيد أعود البيت بطبقة وحدة من نعالي، أو أكون قد أضعت القلب «القلادة» أو الشغاب «حلق الأذن» أو الساعة الذهب التي كانوا يلبسوني إياها حتى «نتيمل جدام الناس». في يوم العيد هو اليوم الوحيد الذي كنا نرى فيه «لوقة الحكال» فقد كانت والدتي -رحمها الله- تصر على وضع الحكل في أعيننا وتقول: «بتشيرين جيه جدام الناس؟ عينك ملحى كأنها عين أرضي.. تعالي بكحلك»، كان المرود المصنوع من الجدار الداخلي لقوقعة كبيرة في صرة لا تفارق لوقة الكحال. لا أستغرب الآن عندما أرى صوري في العيد والكحال متلغوس، ولكني في كامل زينتي جدام الناس.
للعارفين أقول، لقد قدمت المدارس وأهالينا كل ماهو جميل في ذاكرتنا. اصنعوا الذكريات مع هذا الجيل فهم مثلنا في أمسِّ الحاجة لما يجعل من تجربتنا الإنسانية الطبيعية أسلوب حياة ممتداً ومستداماً. وعيدكم مبارك يالغالين.