دورة استثنائية لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، تنطلق بعد أيام لتضيف شمعة أخرى مضيئة وبراقة في سماء الإمارات التي أصبحت حاضنة عالمية للثقافة العميقة، وبيتاً مفتوحاً لدعاة الحوار الفكري القائم على المنطق والفلسفة واحترام الرأي. ويحسب للمنظمين رفع سقف المشاركات في هذا الحدث الاستثنائي ليشمل دور نشر جديدة دائماً (12 دولة تشارك للمرة الأولى في هذه الدورة)، يضافُ إليها احتضان المبادرات الخلاقة وتوسيع التفاهمات الثقافية على المستوى العالمي، وترسيخ جذورها لتكون الأساس في توجهات المعرض، وتوصيل رسالته السامية تحت شعار «هنا تُسرد قصص العالم».
أكثر ما يثلج الصدر هذا العام هو اختيار جمهورية مصر العربية ضيف شرف المعرض، واختيار شخصية الروائي المصري نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل للآداب الشخصية المحورية هذه الدورة، بما يؤكد مساعي د. علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، إلى جعل لغتنا الجميلة حاضرة دائماً في صميم رؤى وأفكار وتوجهات المعرض في صيغته العالمية. فيما يشكل حضور مصر، عودة إلى عمق الثقافة العربية وتأكيد الاحتفاء بعواصمها الكبيرة، في زمنٍ نشهد فيه تراجع دور الكثير من عواصم الثقافة العربية التقليدية. فشكراً على هذه الجهود الاستثنائية على صعيد الرؤية، وأيضاً على مستوى التنفيذ الإداري والمجهود الكبير الذي تقوم به فرق المعرض بالمنتسبين والمنظمين والمشاركين والمتطوعين كافة.
أعرف العشرات من أدباء الإمارات الشباب الذين اختاروا معرض أبوظبي للكتاب لإطلاق إصداراتهم الجديدة. وأراقب عن كثب جهود دور النشر المحلية وحرصها على إعطاء الفرصة للأقلام الجديدة للظهور على الساحة الأدبية، وأثمِّن أيضاً حضور اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات دائماً بحلّة جديدة، ونشره وإطلاقه كتباً نوعية تؤكد دوره المستمر ومكانته العالية في الساحة المحلية. والأجمل هو احتفاء المعرض بالتجارب الثقافية والإبداعية المختلفة، سواء في احتضانه للجوائز الأدبية المحلية والعربية والعالمية، أو في تشجيع الشباب على تقديم تصوراتهم ورؤاهم الأدبية بمفهوم جديد يخلط بين الكتابة والرسم والفيديو واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي للمزيد من الانتشار.
كل هذه الروح الجميلة التي تتجلى في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، إنما تولدُ في بيئةٍ تقف على أساس صلب لجعل هذه المبادرات مستدامة، وتحمل في داخلها بذرة استمرارها. ولا يمكن لنبتةٍ ثقافية أن تُزهر، لو لا وجود هذا المناخ المنفتح بحرية عالية على حب الجمال واستقطاب شذاه من كل حدائق العالم، ليختلط مجدداً بعطر عاصمتنا العالمية الجميلة أبوظبي.