ذاكرة يوسف أبولوز لا يسقط لديها سهواً كل اسم رسم صورته على حائط الأيام، فهذا الرجل، هذا الشاعر النبيل من زمن جميل، هيأ له ذاكرة أصبحت في ثقافتنا اليوم محفظة من ذهب، ودفتراً يفيض بأنهار من أسماء مرت من هنا من جادة تطل على حقل معشوشب بعناصر إبداعية ملأت حياتنا طيباً وطيبات، ورسمت على وريقات قلوبنا صورة الإنسان الخالد ووجهاً لا يفنى، وإن ذابت الأجساد أسماء لها في الضمير الوطني رائحة السدرة في أفنية الرمل والطين.
هذه الأسماء أمتعت وأسمعت وأيقظت في ضمائرنا أرواحاً، وفي عقولنا وعياً بأهمية أن نكون في الزمان موجة، وفي المكان مهجة تترقرق حناناً على شجيرات الوطن، تزف لنا عبق الجميل من الإبداع السامي، ومن عطاء أدبي في الشعر والقصة والرواية، وفي المسرح، هؤلاء النبلاء جلبهم إلى ذاكرتنا هذا الشاعر الجميل شموعاً تضيء سماءنا، وتملأ أرضنا خصباً وخضاباً ورطباً.
يوسف أبولوز لم يدخر وسعاً في يوم من الأيام أن يحضر قلماً سخياً وفياً ندياً أبياً جزيلاً كأنه النهر فضيلاً، كأنه النخلة نبيلاً، كأنه الحقول في اخضرارها نحيباً، كأنه الجداول في عطائها لأنه في الحقيقة لامس أوجاعنا لرحيل هذه الكوكبة من الأحباب.
أشعل في نفوسنا وهج الذاكرة، وهي تمر على منازل هؤلاء المخلصين الصادقين في مداعبة أوتار اللحظة المباغتة في قلوبنا، هؤلاء الذين ملأوا وجدان الوطن بزهرات أدبية تركت صيتاً وصوتاً في أسماعنا، وجعلتنا عندما تذكرهم نشعر أننا نقترب من شطآن الحنين، فنغسل رموشنا بأبيض الماء السلسبيل، أسماء حفرت في الذاكرة سورة فاتحة أيامنا وسيرة أحلامنا، وسبر الكلام المعشق بالمعنى والمعين، وأغنيات ملكت ألبابنا وترانيم كهان قدسوا الفكرة لتصبح في المدى قوس قزح يلون سماءنا ببهجة الوصول.. الوصول إلى سر الأناشيد عندما تكون الأناشيد الورطة الجميلة تنقش صورتها على صفحات قلوبنا.
يوسف أبولوز بهذه الوثبات تغري جيادنا كي تسير في وديان الأحلام الجميلة والسروج نجوماً تطوف بأطراف الديار المنعمة بألوان من المشاعر في زمن له رونق الغيمة ومهارة البروق، وهي تشق قميص أفراحنا من قبل، وتمضي في الدنى خطوات تبارك خطوات وابتسامات تعانق ابتسامات وما الحياة إلا حبل مشدود بين أمنية اللقاء وأخرى لقبلة على جبين القمر اللجين.
يوسف أبولوز محرض محترف على تثبيت النقطة تحت حرف الباء لتكمل دائرة الحب في حياتنا، وتثمر وتزدهر وتزهر لنفتخر بأننا بشر محور الكون وقطره وتوتره.
يوسف أبولوز شاعر من نوع آخر له في القصيدة منازل حنين إلى من زرعوا في أفنيتنا قناديل نور وقلائد شغف، وهموا في زماننا أرواح وريحان وريح تشذب أشجارنا من أوراقها الصفراء، وتجعلنا في الحياة أغنيات على ظهر موجة توشوش للنوارس كي تمضي إلى الغيمة، وتغني لها موال بحار قديم ترك على الماء محارة العمر وترجل.
شكراً أبولوز وشكراً لذاكرة لم يثقبها الزمان، ولا يسطو عليها النسيان.