الخميس 16 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وفرة في المسرح.. وفورة في الإبداع

وفرة في المسرح.. وفورة في الإبداع
17 مارس 2022 00:53

محمد عبدالسميع (الشارقة)

من ينظر في السِّيَر الإبداعية والفئات العمرية لفناني المسرح الإماراتي، يجد شغفاً واضحاً في هذا المجال، وانفتاحاً على فنون درامية في التمثيل والتلفزيون والكتابة، سواء الكتابة للمسرح أو التلفزيون أو السينما، أو حتى كتابة الشعر، إذا آمنّا بأنّ الأجناس الأدبية والفنية تتنافذ على بعضها بعضاً، وأنّ ثمّة رابطاً بينها لمزيد من اتساع ثقافة العمل ومواكبته وتطوّره عبر مراحل التأسيس للمسرح والتأثّر بالمسرح العربي والأجنبي، والبناء على ثيم خاصة وأفكار تقرأ الاجتماعي والسياسي والنضالي وتفاصيل الناس ويومياتهم، ولكنّها تنطلق أيضاً إلى أبعاد جديدة هي إفرازات طبيعية تمتزج فيها الذات بتغيرات الذهنية العربية والعالمية، وتغيّر المفاهيم والرؤية إلى تشكّلات جديدة يصهرها المبدع المسرحي بإحساسه ورؤيته، ما يجعلها تتمتّع بالنقاش النخبوي والقبول المجتمعي أيضاً في التنبيه على قضايا جديدة.
والسؤال المطروح عربياً، وليس فقط إماراتيّاً أو خليجياً، ماذا بعد استلهام النصّ الأجنبي وقراءته قراءةً جديدةً أو استلهام أفكاره وترويض ما استعصى أو نَفَرَ منها عن السياقات العربية والمحلية، لتقديم وجبة فكرية للمثقفين، وإمتاعيّة في الوقت ذاته للجمهور، أيّاً كانت شرائح هذا الجمهور؟
 والإجابة حتماً ستكون في إعادة البحث عن بدائل جديدة برؤى مختلفة لبقاء المسرح متوهجاً في نصوصه وعالياً في مزاجه وبعيداً في آفاقه، وهكذا فنحن نصهر القديم بمصهر الحديث، ونعيد حرث جديد الأمس ليصبح جديد اليوم، فنحصل على تربة متجددة صالحة لاحتضان البذور وإنتاجها، وهي عملية واعية تحتاج استراتيجيةً على مستوى الكتّاب والفنانين أنفسهم وكلّ من له علاقة بـ«أبو الفنون»، وبالطبع فإنّ رؤية إدارات المهرجانات وجمعيات المسرح والتقاء الرواد والشباب المنضوي حديثاً في المسرح أو الشباب المجدد هي مسألة مهمّة جداً في قبول كلّ الأنواع والمدارس والرؤى والاحتكام لمبدأ التطوّر الطبيعي في هذا الفن القديم الحديث، وتزويد المتلقي بجرعات إضافية ونوعية من خلال لجان التحكيم ومراقبة النصوص والحصيلة المعرفية والإبداعية للمهرجان في جردة الحساب الختامي بعد كلّ دورة.

رياح الفكر وعواصف التطوير
وإذا كانت الندوات والأنشطة والشهادات الإبداعيّة تقام عادةً في سياق المهرجان وفي نهاية كلّ عرض، فإنّ القراءة والنقاش حتماً ستثير لدى الحضور رياح الفكر وعواصف التطوير أو الوقوف على السَّمت العام الذي يميّز هذا المهرجان عن ذاك، وإمكانية النظر في المسافة بين الأمس واليوم وما يمكننا فعله، على أهمية ترك الاحتكاك والتبادل الثقافي والتعاطي مع الرؤى، للنظر في ما هو متاح وما هو قادم وما هو ثابت في الأساليب والمعالجات والأفكار.
وفي حالة المسرح الإماراتيّ، فإنّ دارس الأسماء المسرحية والباحث في استحقاقها من الجوائز الإبداعيّة، يلاحظ حجم الثقة التي يتمتع بها المسرحيّون لدينا، في جوائز: أفضل نص، أو أفضل عمل متكامل، أو أفضل إخراج، أو أفضل ممثل، أو سينوغراغيا... إلخ، فقد راكم أَعلام المسرح ومبدعوه جوائز عديدة فبقي ناتجها المسرحي غالياً بين أيدي لجنة التحكيم، وفق مقاييس التحكيم الجادة والموضوعية، وهذا ما يزيد من المحصول المحفز والرائع للأعمال التي يحتفي بها الإعلام الثقافي وربما تتم معالجتها من جديد في أعمال أخرى. أمّا جمعيات المسرح لدينا، وعلى توزيعها الطبيعي في المدن وفي كلّ إمارة، فهي حواضن تتفهّم طبيعة المشاركة والحضور والمنافسة، وإثبات الذات والتقويم الإبداعي من جديد، ولهذا فإنّ أيام الشارقة المسرحية، ومن خلال أحد عشر عملاً تُعرض بمتابعة واستضافة عربية مهتمة وقارئة لتطوّر المشهد وحضوره عربياً، تجعلنا نقف على حالتنا المسرحية، فنمزج مخرجات الأعمال على الخشبة بالتنظير في الندوة، أو في قراءة التجربة الإبداعية والتعرف على فرص المستقبل المسرحي، وهناك ندوة مقررة في «الأيام» متعلقة بهذا الأمر وتثرى بالنقاش الذي لا ينفي واجبنا في الاحتفاء بالقامات التي ثابرت واقتبست وصنعت لها كينونةً خاصةً بها ورّثتها للأجيال، والنظر إلى القادم في التوليفة الإبداعية الكلية للمسرح على أكثر من صعيد.

بين القديم والجديد 
تبدو عناوين الأعمال المشاركة جذابة وفتح شهية المتابعة وقراءة ظلالها الفلسفية الذاتية والإنسانية، والتغني بمكتسبات النصوص الرائعة والتجارب الإخراجية الواثقة لإبداع الممثلين، وعلى أيّة حال، فإنّ التنوع بين القديم والجديد يحكم بقاءَه التميّزُ أو وجاهة الإمساك بالتوليفة الإخراجية وما يرشح من ذلك على المتلقي والصحافة الثقافية والمتابعات النقدية الموضوعية في قراءة الأعمال. ولدينا في الإمارات أسماء بارزة احترفت كتابة النص المسرحي واحترمت المقاصد الإنسانية التي يتوخاها المثقف العربي من كاتب النص لاستلهام أجوائه الفكرية، ولدينا تجارب إخراجيّة واثقة في استضافتها عربياً، وبالتأكيد فإنّ محركات البحث الإلكترونية تجعلنا في وضع واثق ومريح وهي تضمّ وترصد قصص نجاح أعلام المسرح الإماراتي، كما أنّ كتباً معيّنة من فنانين إماراتيين احتفوا بالأسماء والأعمال تضعنا في صورة المنجز ستكون حاضرةً في ندوات أيام الشارقة المسرحية، ولهذا، فإنّنا نتوافر بالتأكيد على رصيد كافٍ يمكّننا من الاستمرار والإبداع والعطاء. ويمكن أن نشير إلى أنّ أسماء كثيرة من كتّاب المسرح ومخرجيه وممثليه، وفي أجناس فنية ذات علاقة، هم من مواليد عقدي الستينيات والسبعينيات، وهناك بالطبع أسماء وتجارب سابقة نحترمها ونجلّها، غير أنّ هذه الوفرة تعطينا مؤشراً في مدى التصميم والانطلاقة نحو الثمار التي نقطفها اليوم، والتي تكرّست على شكل جمعيات ومهرجانات خاصة بالمسرح.

رسائل حضارية 
وتجيء أيام الشارقة المسرحية في دورتها الحادية والثلاثين، لتعيدنا اليوم بعد كلّ هذا النجاح إلى وثبة الثمانينيات المسرحية ووضوح الرؤية لأن يصبح المسرح عملاً ممنهجاً، كما أنّ في تعدد ألوان المسرح في الشارقة ما بين مسرح طفل ومسرح كبار تحت مسميات عدة من مدرسي وصحراوي وخليجي وأيام مسرح وهيئة عربية للمسرح ومهرجان مسرح عربي سنوي.. تعد مكسباً حقيقياً وإنسانياً وجّه إليه صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في كتابته المبكرة للمسرح التاريخي وتنبيهه إلى الرسائل الحضارية والإنسانية والنضالية والذاتية، وهي رسائل لا يزال تأثيرها خالداً في الوجدان الإماراتي والخليجي والعربي والإنساني، وتزهر فائدتها إبداعياً في أنها تشكل حافزاً قوياً للأقلام نحو المزيد من الفاعلية والانسجام مع روعة المسرح وما يصدر عنه من نور يجلو النفوس ويفتح البصائر ويصل إلى البشرية جمعاء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©