الإثنين 6 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

علي يوسف السعد يكتب: وارسو.. مدينة الألوان والزهور

علي يوسف السعد يكتب: وارسو.. مدينة الألوان والزهور
13 ديسمبر 2022 00:21

لا تنتمي وارسو إلى تلك المدن الأوروبية التي تنقلك زمنياً عبر مبانيها وأجوائها إلى عصور سابقة، أو تلك الحديثة البراقة المليئة بناطحات السحاب، فهي مدينة اختارت أن تنتمي للحاضر، اختارت أن تخرج من بين أنقاض الحرب جديدة معاصرة مرتدية زيها التقليدي، متوشحة بثقافتها وما تنتمي إليه من حب للبقاء والحياة.
الأنصاب التذكارية التي تخلد تضحيات هذه المدينة خلال الحرب ستراها هنا في كل مكان، ففي قرب نهاية الحرب العالمية الثانية قررت قوات المقاومة الشعبية في وارسو الانتفاضة ضد الألمان، لم تكن قوتهم كافية سوى للتذكير بأنفسهم، أمام آلة ألمانية غاشمة عكست اتجاهها وعاقبت مدينتهم وجعلتها عبرة، وعبرة هنا تعني أنها محتها من الوجود، فبعد أن كان يقطنها 2 مليون نسمة، لم يتبق في ذلك الوقت إلا 10 آلاف فقط، والعدد المفتقد كان بين قتيل ومصاب، والجزء الأكبر مهجر دون بيت يؤويه.
بعد انقشاع غمامة الحرب نبتت وارسو من جديد، نبتة خضراء غضة، استعادت لذاتها ما كان لها من ألق، فكل المباني ها هنا جديدة، حتى الحي القديم هكذا يسمونه، جديد هو أيضاً، بني فقط مستلهماً من عمارة الماضي، وجديد لا يعني أن كل شيء بني اليوم، وإنما بني منذ عام 1945 صعوداً بالتواريخ إلى الآن.
مدينة أوروبية رائعة، لا تنفك قدماك تتجول في شوارعها وأنت سعيد بتجربتك على أرضها، تصطف الورود في استقبالك في كل مكان، وكأنها رسالة حب تبعث بها إليك هذه المدينة الحالمة، يعزز هذا الشعور، أجواء الشتاء وغيمات المطر المستمرة في سمائها حتى في زمهرير الصيف.
من هنا استعد لأجواء غائمة مستمرة، لا تنفك تبعث في نفسك كثيراً من التفكير والتأمل، لن أقول إنها ستجلب لك الكآبة، فنحن سكان الشرق الأوسط دائماً وأبداً ترافقنا الشمس، والانفلات منها قليلاً والغياب عنها بعيداً يبعث فينا مشاعر إيجابية، يدعمها حب التغيير والاشتياق لمثل هذه الأجواء الغريبة عنا، من هنا أنت على موعد مع أجواء رائعة خاصة مع المساحات الخضراء الشاسعة التي تحيط بك من كل اتجاه، فقد اهتموا كثيراً أثناء إعادة بناء وارسو بالحدائق فنثروها هنا في كل مكان، ولعل حديقة «ساسكي» ستكون اختياراً رائعاً لقضاء وقت جميل.
لم تعدم وارسو وجهاتها التاريخية تماماً، ففي منطقة وسط المدينة الزاخرة بالحيوية والحياة، تقع القلعة الملكية القديمة الجديدة، فتاريخ بنائها يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وقد كانت مقراً لعديد من ملوك بولندا السابقين، لكن خلال الحرب العالمية الثانية فجرها النازيون، قبل أن يعيد البولنديون بناءها مرة أخرى على أساسات وجدران القديمة عام 1971، واُستعيد من خلال الإعمار مظهرها الأصلي الذي كانت عليه في العصور الوسطى، وهي حالياً تمثل متحفاً قومياً يضم مجموعة من أرقى المعروضات الفنية البولندية والأوربية، ويزورها سنوياً نحو 1.1 مليون شخص.
كذلك المدينة القديمة المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، تُعد مكاناً مميزاً للزيارة، حيث تزخر مبانيها التي أعيد بناؤها على النمط القديم بعد تدميرها خلال الحرب، بكثير من التفاصيل الرائعة والجمال الممتد العابر مباشرة إلى القلب، عبر ألوان خلابة متنوعة تنتمي بزائريها إلى الحياة والسطوع، تمشية صغيرة في شوارعها القديمة المرصوفة بالحصا تعني الكثير.
لا تفاجأ كثيراً خلال الشتاء أن يباغتك الليل خلال العصر، فها هنا توقيتات وارسو مشابهة لألمانيا وهولندا، حيث الليل طويل جداً مقارنة بساعات النهار، لذلك كن مستعداً للأمر وتكيف معه واستثمر وقت نهارك جيداً إذا كنت هناك شتاءً وكنت من محبي النهار.
طعم المدن في نفسي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأطعمة أطباقها ومطبخها المحلي، ووارسو ذات خصوصية من حيث الطعام، حيث يمكنك فيها الاستمتاع بأطباق شهية رائعة، ما بين الزلابية البولندية الرائعة المحشوة باللحوم أو الجبن أو الفطر أو ما تفضله من مذاقات، وما بين الـ«بيجوز» أو يخنة الصياد، وهو طبق عبقري لن تسلم من إدمانه، ثم تأتي إلى التحلية فتكون على موعد مع الـ«كولاتسكي» وهي واحدة من أشهر أطباق الحلويات، وها هنا ومع تلك الأطباق والمذاقات القوية تكتمل رحلتك في أرض البولنديين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©