مع بداية عام 2021، وفي ظل تراجع إمكانيات الحل السياسي لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي ينتظرها المجتمعان العربي والدولي لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.. ينتظر أن يشهد لبنان مزيداً من التدهور المالي والانهيار المصرفي، بما ينعكس سلباً على قيمة الليرة مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار، خصوصاً أن المنظومة السياسية التي تراهن على تطور إيجابي في الملف النووي بين واشنطن وطهران قد تنتظر طويلاً.. وذلك استناداً إلى معلومات تشير إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة تضع لبنان في المرتبة الثالثة في سلم أولوياتها، ما يعني أن هذا الملف لن يُفتَح قبل منتصف العام.
ورغم دخول بعض الدول الأوروبية، إضافة إلى الفاتيكان، على خط الضغط السياسي، فإن انشغال الولايات المتحدة بهمومها المتراكمة، من شأنه أن يقلص حجم الاهتمام الدولي بلبنان، وتحديداً البنك وصندوق النقد الدوليين، بما يسرّع من تأزيم الوضع الاقتصادي ويضاعف من أضراره الاجتماعية والمعيشية، في وقت يواجه فيه لبنان تحديات خطيرة من خلال انتشار فيروس «كورونا» وسلالته الجديدة، وتهديده بإقفال المؤسسات التجارية والمصرفية والسياحية والتعليمية، مع احتمال إقفال المطار.
ويترقب اللبنانيون باهتمام كبير التداعيات السلبية لتلك التطورات، في وقت تزداد فيه شكوى القطاع المصرفي من الضغوط الداخلية والخارجية، خصوصاً مع تزامن المواقف بين «مجموعة الضغط» في واشنطن وبعض الأطراف السياسية الأساسية في التركيبة اللبنانية. وإذا كانت الضغوط الخارجية تهدف إلى تقويض الاستقرار النقدي لإغراق البلد، ومعه «حزب الله»، في مأزق مالي كبير يؤدي إلى الانهيار، فإن هجوم بعض الأطراف اللبنانية على المصارف لم يجد تفسيراً غير الاعتقاد بأن هذه الأطراف بحاجة إلى تمويل يعوِّض تراجع مصادر التمويل السياسي الخارجية. ومع اتساع نشاط «جمعية القرض الحسن» التي وصفت بأنها «بنك حزب الله»، ينتظر أن تشتد العقوبات الأميركية بإجراءات قاسية ضد عدد من المصارف والشركات المالية.
ويبدو أن الحملة المستمرة قد نجحت نسبياً في تحقيق أهدافها، معززةً بتقارير سلبية من مؤسسات التصنيف الدولية، وكأن المجتمع الدولي يعاقب المصارف على قيامها بتمويل الدولة اللبنانية التي تعاني من عجز كبير في موازنتها السنوية. وقد دفعت ثمناً باهظاً لتحملها أعباء الدين المتراكم، حتى أن «ستاندرد أند بورز» خفّضت تصنيف ثلاثة مصارف كبرى إلى درجة «التعثر الافتراضي»، وهي «الأعلى خطراً» في العالم. لكن الأكثر خطورة، تجلى في خطوة حكومة حسان دياب بالتوقف عن دفع ديون اليوروبوندز. وقد توجهت النقمة الشعبية على 3 محاور رئيسية: المنظومة السياسية، البنك المركزي، والمصارف التجارية. ومنذ البداية، تحاول المنظومة السياسية التملص من مسؤوليتها عن هدر المال العام، وتحميلها لمصرف لبنان والقطاع المصرفي، حتى برزت شبهة تكاد تتحول إلى واقع، وهي التلازم بين ارتفاع منسوب العنف مع تشنج الوضع السياسي، وارتباطه بتشكيل الحكومة. 
وفي خضم الفوضى القائمة، ينبغي التأكيد أن جذور أزمة لبنان الحقيقية تتمثل بثلاثية هي، أولاً: الضعف المزمن لإنتاجية الاقتصاد وغياب النمو وفرص العمل. ثانياً: استشراء الفساد ونهب مقدرات البلد. وثالثاً: إضعاف الدولة وتغييبها عن أداء وظائفها الأساسية لمصلحة قوى سياسية طائفية تنازعت مواردها وتقاسمت سلطاتها وإدارة مؤسساتها العامة بكفاءة متدنية جداً.

*كاتب لبناني متخصص في الشأن الاقتصادي