تعرض مؤخراً مئات الأطفال في أكثر من 20 دولة، لالتهاب شديد في الكبد، أودى بحياة طفل منهم، كما أصيب العشرات منهم بتلف شديد في الكبد، لدرجة تطلبت نقل وزراعة كبد. هذه الحالات الغريبة من التهاب الكبد، ظهرت بداية في بريطانيا، ثم توالت التقارير عن حالات مشابهة، غالبيتها في القارة الأوروبية، مع أعداد أقل في الأميركتين، وغرب المحيط الهادئ، وجنوب شرق آسيا.

وكما هو معتاد بدأت أعراض الإصابة بالتهاب الكبد، في شكل قيء وإسهال، تبعه تلون بياض العين والجلد باللون الأصفر، وهي الحالة المعروفة بالصفراء. ورغم مرور بضعة أسابيع على ظهور أولى الحالات، إلا أن الأطباء لازالوا عاجزين عن تحديد السبب. وإن كانت أصابع الاتهام تتجه إلى نوع معين من مجموعة الفيروسات المعروفة بالآدنو-فيرس (Adenovirus)، أو الفيروس الغددي، كونه تم عزله لأول مرة في الغدد، فحمل هذه الصفة في اسمه لاحقاً. وتتضمن مجموعة فيروسات الآدنوفيرس أكثر من 50 نوعاً وجنساً، تصيب عدداً كبيراً من الحيوانات الفقارية، بما في ذلك الإنسان، حيث تتسبب في مدى واسع من الأمراض والعلل، وإن كان أشهرها عدوى الجهاز التنفسي العلوي أو البرد العادي.

ومنذ بداية وباء كورونا في 2019، شهدت حالات الإصابة بهذا الفيروس تراجعاً كبيراً، وخصوصاً بين الأطفال، نتيجة إجراءات التباعد الاجتماعي ومنع الاختلاط، والحجر الصحي، وحظر التجوال لفترات طويلة، وارتداء الكمامات، والتي كانت ذات فعالية في خفض احتمالات العدوى بكوفيد-19، وغيره من فيروسات الأمراض التنفسية، حيث قللت تلك الإجراءات من خطر العدوى بكوفيد-19 فقط، وأيضاً العدوى بالآدنوفيرس.

ولكن مع تخفيف القيود والإجراءات الهادفة لاحتواء الوباء، عادت حالات الإصابات بالعدوى بفيروسات الجهاز التنفسي للزيادة مرة أخرى، وخصوصاً أن الأطفال، لم يكونوا يصابون بنزلات البرد بالمعدلات المعتادة خلال الفترة الماضية، وبالتالي لم يكن لديهم المناعة الكافية التي يحصل عليها المرء من العدوى السابقة.

ويحتمل أيضاً، أن يكون الآدنوفيرس قد تطور وتحور خلال الفترة الماضية، وأنتج نسخة أكثر قوة وشراسة منه، تؤثر بشكل كبير على الكبد. وهناك أيضاً احتمال أن تكون إصابة سابقة بكوفيد-19، أو تزامن الإصابة بالفيروسين معاً، كوفيد-19 والآدنوفيرس، هي السبب في تعرض أكباد هؤلاء الأطفال للالتهاب.

كل هذه الاحتمالات والنظريات لا تزيد حالياً على كونها محاولات لتفسير ظاهرة تعرض المئات من الأطفال لالتهاب شديد في الكبد، دون أن تكون فيروسات الكبد المعتادة، مثل فيروس (سي)، هي المسؤولة. وفي الوقت نفسه، يرى البعض أن عدد الحالات لم يزد فعلياً، وإنما السبب خلف الزيادة الحاصلة هو ارتفاع كفاءة التشخيص وزيادة الوعي بهذه الحالة بين أفراد الطاقم الطبي.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.