قد لا يبدو الحساء والنقانق موضوعا من مواضيع الجدل العام المألوفة. غير أنه في ألمانيا يمكن لهذه المواد الغذائية المنزلية الأساسية أن تثير قلقا وحساسيات وطنية عميقة. ففي شرق البلاد، أعادت عدد من سلاسل السوبرماركت إحياء منتجات غذائية تعود إلى ماضي المنطقة الاشتراكي إبان الحرب الباردة. واليوم، باتت هذه المتاجر تواجه تهمة «التقليل من شأن ظلم الدكتاتورية الشيوعية». 
المواد المثيرة للجدل التي عادت إلى الرفوف الألمانية الشرقية تشمل أطباقا مثل ال«سوليانكا». هذا الحساء الكثيف الذي يُصنع من اللحم بشكل أساسي تعود أصوله إلى روسيا وأوكرانيا، ولكنه أصبح ذا شعبية واسعة عبر الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة. وفي ألمانيا الشرقية الاشتراكية، كان هذا الحساء عنصرا معتادا على قوائم الطعام في المطاعم وفي المطاعم المدرسية. وكانت المتاجر تبيع نسخة معلبة منه. وقد اعترفت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي نشأت في «الشرق» (المعروف رسميا ب«جمهورية ألمانيا الديمقراطية»)، بأنها ما زالت أيضا «من عشاق ال»سوليانكا«».
معظم الألمان الشرقيين يعتبرون عودة أنواع قديمة من الطعام غير ضار. غير أن عودة الأحسية الاشتراكية «صدمت» رئيسة «مؤسسة دراسة الدكتاتورية الشيوعية في ألمانيا الشرقية» الممولة من الحكومة. إذ تصف المديرة آنا كامينسكي إعادة إحياء منتجات الطعام الألمانية الشرقية ب«الفضيحة» وتتهم الشركات المنخرطة في ذلك ب«التقليل من شأن ظلم الدكتاتورية الشيوعية». 
وفي مسعى منها لاستغلال حنين 13 مليون ألماني شرقي إلى تلك الأطباق، قررت شركة تنتج وجبة الطفولة القديمة والمفضلة «معجنات مع طماطم ونقانق» مؤخرا وضعَ شعار جمهورية ألمانيا الديمقراطية – مطرقة وفرجار محاطين بحلقة من الجاودار – على «العلامة التجارية». على العلبة يظهر أطفال مبتسمون، مرتدين وشاح العنق الخاص ب«الرواد الشباب»، المنظمة الاشتراكية السابقة الخاصة بالطلاب الذي تتراوح أعمارهم من 6 إلى 10 سنوات. 
وقامت شركة أخرى بإعادة إدخال «حساء إن في إيه»، الذي سمي كذلك نسبة إلى جيش ألمانيا الشرقية، «الجيش الشعبي الوطني». كان الذكور يجندون ويقضون فترة 18 شهرا على الأقل في الخدمة العسكرية، وحافظ ال«إن في إيه» على اتصال وثيق مع أماكن العمل والمدارس والمنظمات الشبابية. وكانت الفعاليات التي ينظمونها كثيرا ما تشمل مطابخ ميدانية تقدِّم يخنة تحضر من البازلاء الصفراء واللحم والنقانق. وتتميز النسخة الحديثة بصورة لهذه المطابخ الميدانية على العلامة التجارية. 
غير أن مثل هذه الأشياء التي تذكّر باشتراكية ألمانية الشرقية تذهب مذهبا متطرفا ومبالغا فيه، حسب كامينسكي والمؤسسة الممولة من الدولة التي تديرها. ففي رسالة إلى «ريفي»، التي تُعد ثاني أكبر سلسلة متاجر بقالة في ألمانيا، اتهمت كامينسكي الشركة ب«التنصل من مسؤولياتها» في المساهمة في «إجماع ثقافة الذاكرة لألمانيا الموحدة». 
المثير للسخرية هو أن هذا الإلحاح على أن يتخلى الألمان الشرقيون عن أذواقهم المكتسبة يأتي من منظمة ممولة من الدولة هدفها الصريح هو «قيادة عملية التوحيد الألمانية». فمؤسسة كامينسكي، التي أسست في 1998 بموجب قانون أصدره البرلمان، يفترض أن «ترسّخ ثورات عام 1989 السلمية» في «التاريخ الألماني والأوروبي للديمقراطية»، وبالتالي، «التغلب على» تقسيم ألمانيا وأوروبا«، على ما يفترض. ويبدو أن ذكريات ملايين الألمان الشرقيين باتت تصنف إلى حد كبير ضمن هذه الفئة الأخيرة – أي شيء ينبغي»التغلب«عليه باسم الوحدة الألمانية. 
ويبدو أن»الإجماع«الذي تروِّج له كامينسكي لا يسمح سوى بذاكرة وطنية واحدة هي: ذاكرة ألمانيا الغربية الوطنية. وهذه ليست أول مرة يعكس فيها الغذاء هذه التوترات المستمرة. فهذه»فوكس«، التي تُعد واحدة من أكثر المجلات الألمانية شعبية، اعتبرت في سنة 2016 أن مجرد وجود منتجات ألمانيا الشرقية السابقة مثل شكوكولاته الدهن»نودوسي«يمكن أن يؤدي إلى»رغبات في إعادة إحياء الظروف السياسية لفترة جمهورية ألمانيا الديمقراطية«. وبالمثل، أثار بائع»آيس كريم«يبيع منتجات مستوحاة من عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية بالقرب من»جدار برلين«حفيظةَ نائب مدير النصب التذكاري الخاص بال»ستاسي«(الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية) في برلين، والذي كان قلقا من أن يصبح حنين الغذاء أداة في أيدي من يريدون تمجيد ديكتاتوريات الماضي. 
بيد أن هذه المقاربة ليست واقعية ولا مفيدة. فالتجربة الألمانية الشرقية بين 1949 و1990 أنتجت تَركةً صمدت وبقيت بعد اختفاء الدولة. وسيتعين على ألمانيا الموحدة التصالح مع هذا التاريخ بدلا من محاولة محوه. فالحكومة ينبغي ألا تتدخل في تحديد نوع الذاكرات التي يمكن لمواطنيها الاحتفاظ بها ولا في كيف يختارون فعل ذلك. 
وإذا كان هناك ألمان شرقيون سابقون مثل ميركل ما زالوا يعشقون الـ«سوليانكا»، أو يتذكرون نوع «المعجنات» التي كانوا يتناولونها حين كانوا أطفالا بنوع من الشوق والحنين، فإن هذا لا يعني أنهم سيسعون إلى إقامة الاشتراكية على التراب الألماني من جديد. ولكن جعل منطقة بأكملها تشعر كما لو أن تجاربها وذاكراتها عديمة القيمة، في أحسن الأحوال، وخطيرة، في أسوئها، يُعد طريقة مضمونة لتوليد السخط والاستياء – النوع نفسه الذي أدى إلى بعض أنماط التصويت المثيرة للقلق التي رأيناها في ألمانيا الشرقية خلال السنوات الأخيرة. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»