مما يثير الدهشة ويفتح باب الأسئلة، ذلك الرقم الذي تجاوز عشرين مليون مشاهدة لـ«بودكاست» يعود لمدرب خليجي يتحدث فيه عن العلاقات الإنسانية، حيث أسهب في وصفها وتحديدها وتأطيرها. لكن لماذا وصل «البودكاست» لمثل هذا الرقم الفلكي، رغم أنه يتناول موضوعاً يعدُّ معيشاً يومياً؟! وهل لعبارة «العلاقات الإنسانية» في حد ذاتها متعة أثارت لديهم فضولَ استمرار المشاهدة؟ وهل يعقل أنَّ الشباب الخليجي أو العربي لا يعرفون معنى العلاقات الإنسانية على اختلاف أشكالها؟ 

تلك بعض الأسئلة التي طرحت في تعليقات المشاهدين، ولعلها تعكس واقعاً يمكن وصفه بأنه متداخل ومعقد، فمع هذا الانفتاح المتسارع في مجتمعات محافظة ومدركة لأهمية الأسرة وضرورتها، نجد أن أفراد المجتمع ما زالوا لا يعرفون الفرق بين الحدود الذاتية والانخراط في علاقة يصعب التخلص منها لأنها علاقة شاملة بلا ضوابط أو بلا شروط مسبقة!
ربما هذا الزخم في المعارف والتجارب والعناوين التي تظهر أمامنا يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، صنع نوعاً من المبالغة في تقدير العلاقة أو تصنيفها، وتحول هذا الزخم إلى نوع من الضغط النفسي الذي يتحول مع الوقت إلى مشروع انفجار محتمل.
ورغم هذا التدفق الهائل للمعلومات والأفكار والخبرات، فإن الجهل كان سبباً مؤكداً استدعى أن يشاهد الحلقةَ عشرون مليونَ شخص، ليظهِروا مدى وعيهم واستيعابهم معنى العلاقات الإنسانية بكافة أشكالها. ولعل ثمة سبباً آخر وهو كون حديث المدرب من النوع الذي يوصف بالشائق والشائك في آنٍ واحد.
وربما يقال في هذا الخصوص، إن الدراسة لا تعلِّم الإنسانَ كيف يكون ناضجاً اجتماعياً، ولا تعطيه تقدير الذات الكافي لكي يكون متوازناً ويملك الحد الأدنى من القدرة على التعامل مع مختلف الأنماط الاجتماعية التي تَعبر حياتَه كل حين.
وعلى مستوى الأسرة، يعتقد البعض أن هناك خللاً وتقصيراً في زرع بذرة الحب والاحترام بين أفرادها لتنعكس على حياة الإنسان في تفاصيلها كافة. فالأسرة التي تناط بها تربية أبنائها على مهارات التعامل مع الذات والآخرين، والتي يكون أساسُها تقدير الذات، لم تقم بدورها المطلوب، ربما لأسباب مادية أو اجتماعية أو لظروف كثيراً ما جعلت من الخطاب التوجيهي في العائلة فوقياً وليس أفقياً متبادلاً يصنع حواراً يسمح بفهم احتياجات الفرد النفسية والاجتماعية.
لا بد من دراسة هذا الرقم اللافت للنظر، فهو موضوع يستحق الدراسة كونه يمس جوانب مهمة، ويكشف عن قصور لدى كثيرٍ من الأشخاص في فهم نوعية التعاطي اللائق والمطلوب مع العلاقة بالآخرين.
وبالتأكيد، فإن استيعاب تداخل العلاقات ليس بالأمر السهل، لكن لا بد من معرفةٍ تجعل التعاملَ في العلاقات لا يقود إلى مرحلة التهشم مهما كان نوع العلاقة وشكلها الاجتماعي.
إن إعادة صياغة حياتنا وفق احتياجاتنا النفسية عمل مهمٌ يعكس وعياً له تداعياته في ما يتعلق بنجاح الفرد، كما ينعكس في أبعاد مجتمعية.
إن المجتمعات بحاجة إلى شخصيات ناجحة قادرة على بناء فرص متوازنة مع الآخرين، وإعطاء نموذج مثالي وملهِم.

*كاتبة إماراتية