تأثرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة سلباً بالأزمات المالية المتلاحقة، مثل الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وصعود مستويات الدّين العالمي.. إذ انخفضت بنسبة 12% خلال العام الماضي لتصل إلى 1.3 تريليون دولار، وفق التقرير السنوي لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). وذلك بعد صعود تجاوز 53% خلال عام 2021.

وبينما قادت الاقتصاداتُ المتقدمةُ الهبوطَ، حيث انخفضت التدفقات الوافدة بنحو 37% لتصل إلى 378 مليار دولار، صعدت التدفقات إلى البلدان النامية بنسبة 4% إلى 916 مليار دولار، لتحصد حصةً تتجاوز 70% من إجمالي الاستثمارات في العالَم، وهو مستوى قياسي جديد. أما بالنسبة للعالم العربي، فقد حلَّت دولة الإمارات العربية المتحدة في صدارة الدول المتلقية للاستثمارات الأجنبية، بعد أن جذبت 22.7 مليار دولار، بارتفاع نسبته 10% عن العام السابق.

وجاءت مصر في المرتبة الثانية بتلقيها 11.4 مليار دولار، وبصعود نسبته 120% على أساس سنوي. وهو تطور لافت، إذ يمثل نقطة إيجابية مهمة تحسب لحكومة مصطفى مدبولي التي تسعى لزيادة الحصيلة «الدولارية» خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 191 مليار دولار، على أمل أن يختفي مصطلح «الفجوة الدولارية» في عام 2026. ويستند مدبولي، لتحقيق أهداف حكومته، إلى زيادات مرتقبة من عدة مصادر «دولارية».

لكن الأمر يبقى مرهوناً بتطورات دولية وتجارة خارجية، إضافة إلى سعر صرف الجنيه المصري وتحولات مؤشر التضخم. وذلك في وقت بدأت فيه مصر تنفيذ موازنتها للسنة المالية 2023-2024، وهي تحمل عجزاً بلغ 36.7 مليار دولار. وهذا في الوقت الذي ترى فيه «وكالة ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني أن مصادر التمويل المصرية قد لا تغطي المتطلبات المرتفعة لتمويل الدَّين الخارجي خلال السنتين الماليتين الحالية والمقبلة، والمقدَّر بنحو 37 مليار دولار بشكل تراكمي.

أما أهم تلك المصادر فهي: أولاً، إيرادات قناة السويس، والتي تتوقع الحكومة زيادتَها بنسبة 10% سنوياً، وهو أمر ممكن التحقق بعد أن سجلت في السنة المالية 2022–2023 زيادة بنحو 9.4 مليار دولار مقارنةً مع 7 مليارات في السنة المالية السابقة، أي بارتفاع نسبته 34%، وهو الارتفاع الأعلى في تاريخ القناة. ثانياً، القطاع السياحي، حيث تتوقع الحكومة زيادة إيراداته بنسبة 20% سنوياً، استناداً إلى أنه حقق 14 مليار دولار، بزيادة 30% عن السنة المالية السابقة. حتى أن صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاعها خلال السنوات الخمس المقبلة لتصل إلى 28.8 مليار دولار في السنة المالية 2027-2028.

ثالثاً، تحويلات المصريين في الخارج، والتي تتوقع الحكومةُ زيادتَها بنسبة 10% سنوياً، مع العلم أنه سبق أنْ سجلت رقماً قياسياً في السنة المالية 2021-2022 بلغ 31.9 مليار دولار، ما جعل مصر خامس أكبر بلد متلقٍ للتحويلات المالية عالمياً.

ولكن هذه التحويلات بلغت 12 مليار دولار فقط خلال النصف الأول من السنة المالية 2022-2023، مقابل 15.6 مليار دولار في الفترة ذاتها من السنة المالية السابقة. مع العلم بأن تحويلات المصريين تعد العنصر الأكثر تأثيراً على تدفقات النقد الأجنبي، لكن مع ارتفاع «الفجوة» بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، ونشاط تجارة العملة، أحجم كثير من العاملين في الخارج عن التحويل عبر القنوات الرسمية.

رابعاً، الصادرات السلعية، والتي تتوقع الحكومةُ زيادتَها بنسبة 20% سنوياً، لكن يلاحظ أن العجز في الميزان التجاري ارتفع بنسبة 23.8% على أساس سنوي في أبريل الماضي، مسجلاً 2.33 مليار دولار.

وانخفضت الصادرات بنسبة 44.9% لتصل 3.03 مليار دولار، مع تراجع صادرات بعض السلع المهمة مثل الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام، علماً بأن مصر تعوّل بشكل رئيسي على هذا القطاع لزيادة حصيلتها «الدولارية».

وتبقى الإشارة إلى أن مصر تراهن أيضاً على تحسن الظروف الدولية، بما ينعكس على تضييق «الفجوة الدولارية» في الربع الأخير من العام الحالي كنتيجة لتراجع ملحوظ في الأسعار الدولية للطاقة، وكذلك تراجع سياسة التشدد النقدي الدولية، وحدوث تطور إيجابي في تدفقات رأس المال الدولي، مع توقع ازدهار في مصادر النقد الأجنبي المصري.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية