من خلال إطلاقها «مبادرة التراث المعماري الحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة»، تمهد وزارة الثقافة والشباب الطريق أمام الكثير من الجهود التي ستنطلق في كل أرجاء الدولة من أجل منح التراث المعماري الثري ما يستحقّه من عناية واهتمام، واستثمار ما تنطوي عليه هذه الجهود من عوائد سياسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية، في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، وتعزيز الرخاء والازدهار فيها على المستويين الروحي والمادي.
وتستند المبادرة إلى فهم عميق وواضح لطبيعتها وتحديد منطلقاتها وغاياتها، يُعبّر عنه قول معالي الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة والشباب، إنها تسعى إلى «حشد طاقات جميع أفراد المجتمع، ولاسيما الشباب، وتعزيز شعورهم بالفخر بما تملكه بلادنا وأمتنا من بناء وعمران يدلان على حضارة وتاريخ عريق، كما نمضي في تحفيز الجميع على المشاركة بشكل فاعل، بهدف الحفاظ على هذه الكنوز التاريخية الأصيلة»، مضيفًا أن «البيئة المعمارية الخصبة التي ازدهرت منذ ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، تلعب دوراً فاعلاً في تعزيز المجتمعات وجودة الحياة فيها، وتسهم في التعريف بجزء مهمّ من تاريخنا الإنساني، يحفّز التفكير الإبداعي، ويلهم الأفكار غير التقليدية لطرح المزيد من الجماليات الهندسية والمعمارية».
وتضمن المبادرة لمعالم التراث المعماري ورموزه في الدولة، أن تحظى بالرعاية والاهتمام اللازمين للحفاظ عليها، وتوفير كل ما يلزم لإبقائها في أفضل حال ممكن، لتكون هذه المعالم جزءاً من بناء الذاكرة السياسية والاجتماعية والجمالية، وحافزاً إلى توثيق ما ترتبط به في نفوس الأشخاص الذين شكلت جزءاً من حياتهم وتاريخهم الشخصي، وإدراك ما يقف وراء ما استقرّ في الوجدان الجمعي من رموز وقيم. وبهذا المعنى، فإن المبادرة تسهم في تعزيز «الذاكرة الجمعية» لأبناء الدولة، وهي التي يصفها عالم الاجتماع الفرنسي، موريس هالبواكس، بأنها شرط لا بد منه لوجود أي جماعة بشرية.
وتُعدُّ هذه المبادرة ثمرة لعمل منظم بدأ عام 2020، مع إنشاء وزارة الثقافة والشباب لجنة فنية للتراث الحديث، اضطلعت بمهام تحديد وتصنيف التراث الحديث في الدولة، وتقديم الاستشارات الفنية الخاصة بالتراث الحديث، والمساهمة في إعداد السياسات والتوجهات المستقبلية والاستراتيجيات الوطنية لإدارته وحفظه ونشر الوعي به. وكان لتشكيلة اللجنة، التي ضمّت معماريين وأكاديميين ومثقفين ذوي معرفة رفيعة وخبرة مشهود لها في مجال التراث المعماري في الدولة، الدور الكبير في نجاحها في إنجاز هذه الخطوة المهمة.
ومع إتاحة الفرصة للجمهور للمشاركة في المبادرة من خلال سرد الذكريات الشخصية عن معالم التراث المعماري الحديث، ستكون هناك فرصة لإثراء الذاكرة الوطنية والمجتمعية بآلاف من الشهادات والقصص والذكريات التي ستمثّل كنزاً معرفيّاً للباحثين والدارسين في مجالات مختلفة. كما سيُتاح لمعالم التراث الحديث أن تحظى بتركيز أكبر على مَواطن التميز والإبداع فيها، وللأجيال الجديدة أن تطلِّع على صفحات مشرقة من ملحمة البناء والعطاء والتفوق في بلدهم الطيب.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية