الانفراجة التي حققتها اتفاقيات أوسلو لم تكمن في تفاصيلها، بل في عباراتها الافتتاحية التي تبادلت فيها الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بشرعية الأخرى كممثلين لشعبين منفصلين وشركاء في التفاوض.

وبذلت بقية الاتفاقيات جهداً في كشف نقاط الخلاف بين الأطراف أكثر مما بذلت من جهد في تقديم أي خريطة طريق حقيقية للمضي قدماً. وحدد النص القضايا الرئيسية التي تحدد الهوة العميقة التي تفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعجزهم المعترف به عن إيجاد حل. لقد كان الأمر أكثر من مجرد اتفاق، بل كان صرخة طلباً للمساعدة «هذا هو أقصى ما يمكننا الوصول إليه».

وعلى الفور تقريباً، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لم تسمع، أو لم ترغب في سماع، تلك الصرخة. وقال الرئيس، أثناء استماعه إلى «فريق السلام» من مستشاريه، إن الولايات المتحدة لن تدخل نفسها في العملية كوسيط. وتركت الولايات المتحدة الأمر للأطراف للتفاوض على الحلول. وكانت تلك الضربة القاتلة التي أدت في نهاية المطاف إلى وفاة أوسلو. وكمنت مشكلات كثيرة في جوهر هذا الفشل.  وكان هناك عدم التكافؤ الواضح في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبعد هزيمة منظمة التحرير الفلسطينية كقوة خارجية والانتفاضة الأولى، أصبح الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منهكين وبلا نفوذ.

ولم تكن «السلطة»، التي كان من المقرر أن تنشئها منظمة التحرير الفلسطينية تتمتع بسلطة حقيقية، بل كانت تعتمد على إسرائيل من أجل البقاء. ومن ناحية أخرى، كان للإسرائيليين سيطرة عسكرية كاملة على السكان الأسرى. وأثبتت المشكلات التي وضعتها الولايات المتحدة في نهاية المطاف أنها حرجة. وتصرف مستشارو «فريق السلام» التابع لكلينتون، كما اعترف أحد المستشارين لاحقا، وكأنهم «محامي إسرائيل» أكثر من كونهم وسطاء محايدين. ورأوا المأساة التي تتكشف من خلال عدسة إسرائيلية فقط لا ترى أهمية الاحتياجات الفلسطينية.

وتعرض الفلسطينيون لضغط لحملهم على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الذين يعارضون عملية السلام بعنف، وهو ما كانوا يفتقرون إلى القدرة على القيام به، أو الإذعان لردود فعل إسرائيل غير المتناسبة في كثير من الأحيان على أعمال العنف الفلسطينية. وطُلب من الفلسطينيين أن يفهموا المشكلات الداخلية التي يواجهها رابين والمهلة التي منحها للمتطرفين الإسرائيليين الذين يخربون عملية صنع السلام.

وتفاقم الدور السلبي، أو الهدام في بعض الأحيان الذي لعبه «فريق السلام» الأميركي بسبب الدور المعرقل الذي لعبه الكونجرس الأميركي. وبعد التوقيع على الاتفاقيات، كنا نتوقع تماماً أن يقوم الكونجرس بإلغاء تشريعاته المناهضة للفلسطينيين وإقرار حزمة مساعدات لدعم السلطة الفلسطينية الوليدة. وبدلاً من ذلك، فشل الكونجرس في رفع الحظر المفروض على منظمة التحرير الفلسطينية، وفرض شروطاً مرهقة على المساعدات والعلاقات الفلسطينية.

جيمس زغبي*

* رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن