استثمرت الهند استضافتها قمة العشرين قبل أيام لإعادة تقديم نفسها بما يناسب طموحها في التحول من قوةٍ إقليميةٍ كبرى إلى قوةٍ دوليةٍ مؤثرة. فقد انطوى سلوكها وخطابها على معالم أساسية لدورها الجديد، الذي يتضمن اتجاهاتٍ عدة برز بينها ثلاثة يُتوقعُ أن نشهد تجلياتٍ أكثر لها في الفترة المقبلة.

يتمثل الاتجاه الأول في رؤية إنسانية للعولمة تضع البشر، وليست السلع والخدمات فقط، في قلب الاهتمام، بحيث لا يتخلف أحد عن الركب، سعياً لأن يكون (العالم عائلة واحدة – فاسودهيفا كونومباكام) لأن هذا هو السبيل إلى مساهمة الجميع في إنقاذه، عبر حل صراعات وأزمات آخذة في التفاقم، والانطلاق إلى مستقبل أفضل.

وتعود أهمية هذا الاتجاه إلى كونه مشتركاً بين عددٍ من الدول الصاعدة في مقدمتها دولة الإمارات العربية. خذ مثلاً بيان أبوظبي الصادر في ختام زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرسمية إليها في منتصف يوليو الماضي، والاهتمام الواضح فيه بمواصلة تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في العالم.

الاتجاه الثاني هو العمل، وليست الدعوة فقط، من أجل إرساء أساس يمكن البناء عليه، لإعادة صوغ منظومة العلاقات الدولية بشكل أفقى، وليس فقط رأسياً يرتبط بالتطلع إلى عالمٍ متعدد الأقطاب. وظهر هذا الاتجاه في المبادرة إلى توسيع مجموعة العشرين ومنح العضوية الدائمة للاتحاد الإفريقي. فقد بدأ تحرك الهند في هذا الاتجاه في يونيو الماضي، عندما بعث مودي رسائل مكتوبة إلى قادة المجموعة اقترح فيها ضم الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين.

وتمكن من الحصول على موافقتهم، لتصبح مجموعة الـ 21. أما الاتجاه الثالث فهو البحث عن توافقاتٍ بشأن القضايا الأكثر إثارة للخلاف، سعياً إلى تجنب توقف العمل الدولي المشترك في مرحلةٍ تعج بالصراعات.

ولأن حرب أوكرانيا هي الأكثر استعصاءً اليوم، كان ضرورياً البحث عن صيغةٍ توافقية بشأنها لتيسير إصدار البيان الختامي. وقد وجدتها الهند في دعوة جميع الدول إلى (الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة للاستيلاء على أراضي دول أخرى) من دون إشارة إلى روسيا أو أوكرانيا، و(الالتزام بسلامة الأراضي والسيادة).

وهكذا طرحت الهند دورها الجديد مستندةً إلى تقدمٍ مطردٍ تُحقَّقه، ويجعلها أسرع الاقتصادات الكبيرة نمواً، بعد أن صار لديها عدد من أهم مراكز الصناعات التكنولوجية الأكثر تقدماً في العالم. وسيكون في إمكان الهند أن تؤدي هذا الدور بشكلٍ أكثر فاعلية بمقدار ما تُحقَّقه من إنجاز في مهمتين كبيرتين. الأولى هي إرساء التسامح في مجتمعها وتعزيز قيم التعايش وتدعيم التنوع العرقي والديني والثقافي، على النحو الذي أرساه المهاتما غاندي وكانت الهند نموذجاً له بعد الاستقلال.

والثانية هي العمل بمعدلاتٍ أسرع لتقليل الفقر، والحد من التفاوت. وهذه مهمة صعبة بالنظر إلى ضخامة عدد مواطنيها، وقد صارت هي الدولة الأكثر سكاناً في العالم. ولكن العزيمة البادية في سلوك قيادتها، والنجاح الذي حقَّقته حتى الآن، يمكن أن يُيَّسرا كل الصعوبات.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.