انعقد مؤخراً في سريلانكا اجتماعُ رابطة حافة المحيط الهندي، وهي منظمة دولية تتألف من 23 دولة متاخمة للمحيط الهندي، في وقت يشهد منافسات جيوسياسية كبرى وتنافس القوى العظمى من أجل النفوذ العالمي. هذا المسطح المائي مهم لأنه أكثر الطرق التجارية ازدحاماً في العالم حيث يمر عبره حوالي 80% من تجارة النفط البحرية في العالم. ويربط المحيط الهندي بين أفريقيا وآسيا وأستراليا، وله ممرات بحرية حيوية. لكن هذه الممرات البحرية بها أيضاً نقاط اختناق مثل مضيق هرمز، ومضيق ملقا، وباب المندب. وبما أن كميات ضخمة من التجارة تمر عبر نقاط الاختناق هذه، فهي ذات أهمية استراتيجية هائلة. وطبيعي أن أي اضطرابات من شأنها أن تؤثر على التجارة العالمية والاقتصاد العالمي وكذلك أي مغامرة تحمل خطر استخدام التجارة كسلاح ضد البلدان. ولهذا السبب كانت الهند من الدول التي ضغطت وتضغط من أجل حرية الحركة والسلام في المحيط الهندي.
وفي الوقت الذي كانت فيه دول مثل الولايات المتحدة تعمل على تطوير سياستها الخاصة بالهند في المحيط الهادئ، أوضح وزير الخارجية الهندي موقف الهند في هذا الاجتماع، حيث بعث برسالة مفادها أن بلاده ستكون صوت الجنوب العالمي. وأكد أن الهند ترغب في ضمان أن تكون منطقة المحيط الهندي حرة ومفتوحة وشاملة وقائمة على القواعد حتى تفيد جميع البلدان في المنطقة، مؤكداً أن بلاده لا تريد اندلاع حرب بالوكالة في منطقة المحيط الهندي. وبما أن هناك طلباً لمزيد من التنمية المتوازنة في منطقة المحيط الهندي، فإن الهند تصر على أن الرابطة يجب أن تتبع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار باعتبارها «دستور البحار».
وقد تعهدت الهند بمواصلة نهجها المتمثل في المساهمة في بناء القدرات وتأمين السلامة والأمن في منطقة المحيط الهندي، بما في ذلك باعتبارها المستجيب الأول والضامنة للأمن. وبسبب الأهمية الاستراتيجية للمحيط الهندي أيضاً، لا يوجد اهتمام عالمي بما يحدث في هذه الأمور. ويشهد العالم كذلك استقطاباً حاداً، مما يؤدي إلى زيادة انعدام الثقة بين الدول.
وبصفتها نائب رئيس الرابطة خلال العامين المقبلين، أعلنت الهند أنها ستعمل كصديق للعالم، وصوت لجنوب العالم، وأنها ستعمل في هذا السياق مع الدول الأعضاء في الرابطة لتعزيز المؤسسات وتطوير الإطار المالي والقانوني نحو تحقيق الإمكانات الحقيقية لهذا التجمع الديناميكي.
وتُظهر تصريحات رئيس الوزراء الهندي الأهميةَ التي اكتسبتها رابطة حافة المحيط الهندي وسط منافسات القوى العظمى، وأيضاً كيف أصبحت المنطقة موضع تركيزٍ أكبرَ وسطَ الاستقطابات العميقة. وبالنسبة لدول مثل الهند، يُعد هذا أمراً مزعجاً لأنها لا تريد المساس بالسلام أو حرية الوصول إلى المحيط الهندي، لأن ذلك سيكون له تأثير سلبي على الأمن القومي. ولهذا السبب تسعى الهند إلى تحقيق الوحدة بين دول المحيط الهندي التي ستكون أكثر تأثراً بأي اضطرابات.
وبصرف النظر عن المسائل الأمنية والاستراتيجية، هناك حاجة أيضاً إلى مزيد من التعاون بين دول المحيط الهندي من وجهة نظر البيئة. إذ تواجه منطقة المحيط الهندي العديد من التهديدات الأمنية البيئية. ويتراوح ذلك بين فقدان المخزونات السمكية، وتغير المناخ، والكوارث الطبيعية، والتي يمكن أن تغذي المنافسة الإستراتيجية الأكبر. ومن ثم فهناك حاجة إلى دعم المؤسسات الإقليمية للمساعدة في تخفيف المنافسة في عالم شديد الاستقطاب وتقديم صوت جماعي للعالم. وهذا ما تسعى الهند إلى القيام به.
كما تشكل مشاركة الهند الاستباقية في اجتماعات الرابطة جزءاً من استراتيجيتها الأكبر المتمثلة في أن تصبح صوت الجنوب العالمي. تحاول نيودلهي التودد إلى الجنوب العالمي، وقد قدمت شكلاً أكثر تعاوناً للقيادة في وقت يتسم بالاستقطاب الكبير داخل العالم. فهي لا تريد أن تكون زعيمة الجنوب العالمي، بل ترغب في إعطاء صوت للجنوب العالمي كجزء من صوتها. وقد أدى التواصل في رابطة حافة المحيط الهندي إلى تعزيز هذا الموضوع في الوقت الذي تسعى فيه الهند إلى عرض المشاكل التي تواجهها الدول النامية على المنتديات العالمية، بما في ذلك مجموعة العشرين.
وفي قمة مجموعة العشرين، حافظت الهند على التركيز على القضايا التي تواجه الجنوب العالمي، وعملت، تحت رئاستها، على ضم الاتحاد الأفريقي إلى المجموعة.
لقد كان هناك منذ فترة طويلة شعور سائد بين الدول النامية بأن المنظمات متعددة الأطراف القائمة لا تخدم الدول النامية. وبدلاً من ذلك، فإنها تعطي الأولوية للدول المتقدمة في مجموعة من القضايا، بما في ذلك تقديم القروض بأسعار فائدة أقل جاذبية. وفي ظل هذه الخلفية، كانت هناك مطالبة بتمثيل أكبر للدول النامية في الهيئات العالمية. وهذا أمر بالغ الأهمية لمنطقة المحيط الهندي في هذا الوقت.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي