تواصل دولة الإمارات حراكاً قوياً وفاعلاً، داخل أروقة مجلس الأمن الدولي وخارجه، من أجل حشد الجهود الدولية لبحث سبل وقف التصعيد في قطاع غزة، ومن أجل حماية جميع المدنيين وتقديم الدعم الإنساني وإيجاد أفق للسلام الشامل، فيما تشكل حماية الشعب الفلسطيني أولوية مهمةً على الدوام بالنسبة لدولة الإمارات.
وبطبعية الحال فإن دولة الإمارات كانت وما تزال حريصة على التنسيق والتعاون الجماعي العربي، وقد عملت على الاتصال مع شقيقاتها، خاصة مصر والسعودية والأردن وقطر، إلى جانب الاتصالات الحثيثة التي أجرتها مع الأطراف الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الرئيسة، حيث انصبَّت هذه الاتصالات والجهود على البحث في السبل المؤدية إلى إيقاف التصعيد وحماية المدنيين وتقديم العون الإنساني لسكان غزة وحث المجتمع الدولي على إيجاد هدنة، وهو الهدف الذي تحقق أخيراً، حيث تم الاتفاق على هدنة لمدة أربعة أيام، ثم مُددت بيومين، يتم خلالها تبادل الأسرى بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي. وربما يتم تمديد الهدنة لأيام أخرى، لأن إسرائيل تحتاجها لمواصلة تبادل الأسرى ولاستعادة حيويتها التي فقدتها عسكرياً ونفسياً بعد العملية التي نفذتها الفصائل الفلسطينية.
وفي أي مقاربة عسكرية للوضع في غزة، فإن لغز الأنفاق يشكل مصدر قلق وتوجس لإسرائيل، باعتبار أن هذه الأنفاق تمثل جزءاً رئيساً لمفاتيح الحل الذي سيقرر مصير غزة بالنسبة لإسرائيل، بينما المفاوضات السياسية تبدأ لاحقاً، ولن تقل شراسةً واحتداماً عن العمليات العسكرية. وربما جاز القول بأن معادلة القوة على الأرض هي ما سيرسم خريطة التسوية بين الطرفين.
منذ حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 والإمارات، بصفتها عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، أجرت عشرات الاتصالات واللقاءات داخل مجلس الأمن مع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، وخارج المجلس أيضاً، وعلى مختلف المستويات من قادة ووزراء ومسؤولين أمميين ودوليين، فيما يخص القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، والتي تم تداولها في المجلس وجرى النقاش والتداول للتصويت عليها، وقد أخذت المناقشات حولها وقتاً طويلاً، ولم يتيسر حسمها أحياناً إلا باستخدام حق النقض «الفيتو»، وهذا ما أخّر صدور قرار الهدنة.
ويمثل تصويت دولة الإمارات موقفاً مستقلاً، بعيداً عن أي ضغوط، كما هو شأن سياستها المتزنة والمبنية على مبادئ واضحة لا لبس فيها.
وفي سياق الحرب في غزة، فإن حماية الشعب الفلسطيني شكلت وتشكل أولويةً لسياسة دولة الإمارات، إذ طالبت مراراً بإيجاد ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية والوقود لصالح المستشفيات ومحطات تحلية المياه، وبتوفير المياه لشعب غزة. وأكدت على ضرورة التقيد بالقانون الدولي الإنساني، محمّلة كلَّ طرف مسؤوليتَه التاريخية عما آلت إليه الأوضاع.
وإنسانياً، طالبت الإمارات على نحو استثنائي بوقف استهداف المدنيين وبتقديم الدعم الإنساني. وفي هذا السياق، نسجل هنا حملة «التراحم» التي أطلقتها الإمارات تضامناً مع أهلنا في غزة، ومبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، باستقبال ألف طفل من قطاع غزة، برفقة عائلاتهم، للعلاج في الإمارات، إلى جانب إقامة مستشفى ميداني وتشغيله في غزة.
والإمارات بسلوكها السياسي الحكيم لا تلتفت إلى الترّهات التي يروج لها المرجفون والرويبضات، لأن كبار القامات لا ينظرون إلى الأقزام.

*سفير سابق