لا تزال الخيارات السياسية والاستراتيجية لإسرائيل في قطاع غزة ترتبط بحسابات وضوابط العملية العسكرية، وفي ظل الرهانات على إطالة أمد المواجهة في الفترة المقبلة، والشروع في تنفيذ مخطط الترانسفير بالكامل، وهو ما تتحسب لتبعاته الدول العربية، ودول الجوار خاصة.

مكمن الخطر أن تلك الخيارات قد ترتبط بالفعل بتصفية القضية الفلسطينية ودخولها مرحلة جديدة، وبما ينذر بوجود تفاهمات أميركية إسرائيلية متعلقة بما هو قادم، خاصة، وأن إسرائيل بدأت في التحرك في إطار الترتيبات الأمنية والاستراتيجية على أرض الواقع، وفي ظل خيارات محددة، ومهمة تضع الأولويات الأمنية والاستراتيجية في المقام الأول حتى ولو اقتضى الأمر مزيداً من المواجهات، التي يمكن أن تعلن عن نفسها في الفترة المقبلة خاصة وأن إسرائيل تتأهب لخيارات جديدة في الإقليم، وليس فقط في قطاع غزة أو الضفة الغربية استثماراً للمشهد الراهن، والذي قد يستمر لبعض الوقت، وفي ظل تطورات مهمة جارية تشمل كل الأطراف، وليس فقط مقتصرة على طرفي المعادلة، وهو ما ينطبق على «حزب الله»، حيث تشير كل المؤشرات والمعطيات الراهنة أنه ما زال ضمن نطاق الردود والردود المتبادلة وفق قواعد الاشتباك الحالي والمتوقع، وإنْ كان الطرفان ليست لديهما رغبة كافية لهذا الاشتباك، و«حزب الله» بالتحديد حقق ما يريد وما خطط له قبل وأثناء المواجهات الراهنة، وليست له مصلحة في دخول معركة تهمش من حضوره السياسي في لبنان، أو إخراجه من الساحة لو استمر في تلك الانتهاكات خارج قواعد الاشتباك، ومن ثم يمكن اعتبار ما قاله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ليس بأكثر من خطاب موجه للجمهور العربي والإسلامي ليس أكثر والذي أشار فيه إلى أنه «إذا لم توقف إسرائيل هجماتها فإن أيدي جميع الأطراف في المنطقة ستكون على الزناد».

والوضع في المنطقة مثل البارود، حيث هناك احتمال حدوث انفجار كل ساعة، وفي ظل التوقع بأن الحربَ في غزة قد تطول لأشهر، أو لعام حتى تحقق إسرائيل أهدافها برغم الرهانات المطروحة بعدم الثقة من أن الجيش الإسرائيلي يمتلك رصيداً يكفيه للبقاء سنة كاملة، وأكثر في قطاع غزة، وفي ظل عدم تحقيق إسرائيل كل مهامها الاستراتيجية أو ما يؤكد فعلىاً قرب انتهاء حكم حركة «حماس» في قطاع غزة، ووفقاً للوقائع السياسية والاستراتيجية القريبة، فإن إسرائيل كلما بحثت عن الحلول العسكرية إلا وخرجت خاسرة منها وبتكلفة عالية تدفعها الدولة، والمواطن معاً، وفي ظل حالة من عدم الاستقرار في المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وبدليل أن الجيش الإسرائيلي يعمل بقوة استراتيجية كبيرة في قطاع غزة حتى الآن، وخاصة في خان يونس ومدينة غزة، ومع ذلك لم ينجح بعد في تطويق أربع كتائب للحركة تعمل في داخل المدينة ما يؤكد على أن المواجهات الراهنة ستطول بالفعل. وبرغم ما سبق من تقييمات عسكرية فإن الرؤية الأميركية تمضي في مسار آخر يرى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تمضي قدماً، وذلك يعود إلى انخفاض نسبة عدد الجرحى من الجانب الإسرائيلي، وأن إسرائيل مستمرة في القتال إلى أن تطلق جميع الرهائن، وتدمير حركة «حماس»، وهذا واضح من إصرارها على الاستمرار في الحرب مادام هناك صواريخ تطلق من حركة «حماس» مهددة أمن المستوطنات الإسرائيلية.

ويبدو أن الإدارة الأميركية ستمنح إسرائيل الوقت الكافي لإنهاء حكم «حماس» في قطاع غزة برغم ما يشير إلى وجود خلاف بين الحكومة الإسرائيلية الراهنة، والساعية لاستمرار واطالة أمد الحرب أطول مدة، وبين أجندة الإدارة الأميركية التي ستدخل معترك ولاية جديدة للانتخابات الرئاسية، والسعي إلى كسب الرأي العام الأميركي بكل شرائحه بما في ذلك الصوت اليهودي وبرغم ما طالب به رئيس الوزراء نتنياهو من تغيير الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

في المجمل فإن إسرائيل لن تنجح في تهدئة الأوضاع، ونقل رسائل إيجابية للجمهور الإسرائيلي إلا بعد إثبات قدرتها على توفير الأمن لكل مواطن في إسرائيل، حيث لن يكون هناك أمن بدون استقرار سياسي، وفي ظل الصراع الراهن على الأولويات المطروحة كما ستظل إسرائيل في حالة طوارئ، كما أن الحالة العامة في إسرائيل تمضي في إطار واقع أمني وسياسي مُختلف على تفاصيله وبالتوازي مع القتال في شمال وجنوب قطاع غزة، ستعمل إسرائيل مع الولايات المتحدة للحفاظ على الدعم السياسي واللوجيستي الذي تقدمه واشنطن مع العمل على إنشاء نظام متكامل للإنذار والحماية على الحدود يوفر الأمن لمواطنيها في حال عدم استيفاء الشروط المطلوبة في قطاع غزة.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.