فيما يعكس التطور الهائل الذي شهدته البنية التحتية الرقمية في دولة الإمارات، تتوالى التقارير الدولية التي تؤكد التقدم الكبير للدولة في هذا المجال، وهو ما يمثل شهادة نجاح جديدة للنموذج التنموي لدولة الإمارات، التي تطمح إلى أن تكون الدولة رقم (1) على مستوى العالم، وفقاً لمئوية «الإمارات 2071».

فوفقاً لتصنيف موقع «فيزا غايد» المتخصص في رصد وتقييم فعالية أنظمة التأشيرات الداعمة لنمط العمل عن بعد، ومستوى تقدم الدول في توفير البيئة الحاضنة والممكِّنة والجاذبة للمواهب والعقول في المجال الرقمي، جاتء دولة الإمارات في المركز الأول إقليمياً، والرابع عالمياً، بين أكثر الوجهات الرائدة للعمل عن بعد، التي تستقطب «الرقميين الرحّل». ومن الإنجازات الأخرى للإمارات في هذا المجال، حصول إمارة أبوظبي على المرتبة الأولى عالمياً كأفضل وجهة للعاملين عن بُعد خلال فصل الشتاء، وذلك وفقاً لموقع «بزنس نيم جينيراتور»، الذي أشار كذلك إلى حلول دبي في المركز الرابع عالمياً، حيث قارنت الدراسة 50 مدينة من المدن الأكثر شعبية في العالم.

وفي الواقع، فإن العمل عن بُعد هو أحد الحلول التي أثبتت نجاحها في ضمان استمرارية الأعمال، حيث يضمن مرونةً تمكّن الموظف من أداء مهامه وتعينه على الابتكار والإبداع، وبالتالي، فإنه يمثل إضافة مهمة لتعزيز عملية التنمية المستدامة التي تشهدها الدولة. وتُعدُّ البنى التحتية الرقمية المتطورة في الإمارات، ركيزة أساسية لازدهار الاقتصاد الرقمي وسهولة ممارسة الأعمال وضمان النمو المستدام.

ويستند التقدم الكبير الذي حققته الدولة في مجال العمل عن بعد، إلى امتلاكها، منذ وقت مبكر، رؤية مستقبلية وجاهزية رقمية سعت من خلالها إلى توفير بيئة حاضنة وجاذبة للمواهب والعقول في المجال الرقمي، وهو ما أرسى منظومة مرنة ومستقبلية للعمل عن بعد، توفر خيارات عمل متعددة للموظفين، وخاصة في حالات الطوارئ، وانتشار الأوبئة والإجراءات الاحترازية، بحيث لا يتوقف تقديم الخدمات في ظل الظروف الطارئة. ومنذ وقت مبكر جهزت الحكومة الإماراتية نفسها للتغييرات الجذرية التي قد يشهدها العالم خلال الأعوام المقبلة في أساليب وأنظمة العمل، سواء عن بعد أو الحضوري، أو فيما يتعلق بأيام وطرق العمل، وتسلحت بأقوى الأنظمة الرقمية لتبقى في صدارة الدول في هذا المجال. وفي ظل البنية الرقمية الراسخة التي تتمتع بها الإمارات، فقد أطلقت في عام 2021 تأشيرة العمل عن بُعد، لتمكن الموظفين من العيش في الدولة أثناء عملهم في شركات يقع مقرها في دولة أخرى، ولم تكن هذه هي التجربة الأولى للدولة في هذا المجال، فقد طبقت الإمارات، نظام العمل عن بُعد في القطاع الحكومي الاتحادي، منذ عام 2017، وذلك من خلال تطبيقه تجريبياً في بعض الجهات الاتحادية، وتمكنت من قياس أثره على الإنتاجية، الأمر الذي ساعد على إنجاح التجربة، واستمرارية تقديم الخدمات خلال فترة جائحة «كوفيد-19».

وثمة الكثير من الجهود السباقة والمؤشرات التي تعكس مدى متانة البنية الرقمية في دولة الإمارات، ومنها أن الإمارات هي أول دولة في العالم تُعيِّن وزيراً للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، وذلك بهدف الارتقاء بقدرات منظومة العمل الحكومي لمواصلة جهود تطوير الموارد البشرية وتوظيف كافة الإمكانات التي من شأنها تمكين الطاقات البشرية وترسيخ أسس الرفاه الوظيفي وتسخير أحدث الابتكارات التكنولوجية لخلق بيئة عمل مرنة تلبي احتياجات وظائف المستقبل، وتؤثر إيجاباً على سعادة الموظفين.

ومما لا شك فيه أن تبوؤ دولة الإمارات مراتب متقدمة في مجال العمل عن بعد، يعكس رؤيتها المتكاملة في استشراف المستقبل وسعيها الحثيث لإيجاد حلول استباقية لتحدياته، وهو ما يؤكد قدرتنا على تحويل هذه التحديات إلى فرص، والانطلاق بقوة باتجاه تحقيق طموحاتنا الوطنية الكبرى. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.