التقاعد يمثل المحطة التي يتوقف فيها الشخص عن العطاء المهني في مجال ما في سوق العمل. ولقد ظهر نظام التقاعد للمرة الأولى على مستوى العالم في القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأميركية عام 1875 بواسطة شركة «أميركان إكسبرس»، أما على المستوى الحكومي فقد كانت ألمانيا أول دولة تطبق هذا النظام في عام 1889. وتمثل شريحة المتقاعدين في أي مجتمع مصدر الخبرة والنضج المهني، لذا فهم يحظون باهتمام حكومي كبير في الدول المتحضرة، ودولة الإمارات العربية المتحدة هي إحدى هذه الدول، وذلك من خلال طرق عدة، منها توفير وظائف جديدة لهم بعد التقاعد، إلى جانب الجمعيات التي تقوم بتوفير العديد من الخدمات لصالحهم. ولعل من أبرز تلك الجمعيات «جمعية الإمارات للمتقاعدين» التي تهدف إلى توفير حياة كريمة للمتقاعدين والارتقاء بمستوى وكفاءة الخدمات المقدمة لهم ودعمهم لبلوغ مستوى الرفاه الاجتماعي.
لكن باعتقادي أن هناك طرقاً أخرى إضافية من الممكن دراستها والعمل على تحقيقها لضمان توفير أعلى مستوى رفاه اجتماعي لصالح المتقاعدين. وأولى تلك الطرق هي استحداث برنامج حكومي جديد لتوظيف المتقاعدين شبيه ببرنامج توظيف المواطنين «نافس»، والذي يعد الأفضل من نوعه عالمياً. ومن خلال البرنامج الجديد سيستطيع العديد من المواطنين المتقاعدين الحصول على وظائف في القطاع الخاص تحت رعاية وإشراف ورقابة الحكومة، الأمر الذي سيساعدهم في تعويض الفارق المالي بين ما كانوا يتقاضونه أثناء العمل وبين المعاش التقاعدي.
والطريقة الثانية هي تحريك المعاشات التقاعدية بصورة عامة لمواجهة أعباء الحياة ونفقات الأسرة. والسبب أن هناك مَن يتقاضون رواتب عالية قبل التقاعد، لكنها تنخفض بعد التقاعد، الأمر الذي يؤثر على الوفاء بمتطلبات عائلاتهم، وخاصة في حال عدم العثور على وظيفة جديدة بعد التقاعد.
والطريقة الثالثة هي تطبيق سياسات بعض الدول المتقدمة التي تقوم بوضع «مسار مهني» لبعض الموظفين الذين هم على وشك التقاعد، وذلك للاستفادة من خبرتهم في قطاعات أخرى، سواء في الداخل أو الخارج. وهنا بالإمكان رسم مسار مهني للمواطنين المتميزين الذين كانوا يشغلون مواقع عمل في القطاعات المدنية وإخطارهم به قبل وقت محدد من التقاعد. ويركز هذا المسار على الاستفادة القصوى من خبرات تلك الكوادر الوطنية، سواء لتأهيل وإعداد المواطنين الشباب حديثي الالتحاق بسوق العمل، أو للمساهمة في تنفيذ خطط تطوير اقتصادي واجتماعي تتطلب خبرات وطنية.
ولدي يقين جازم، في حال تبني أحد أو كل تلك المقترحات، بأن المستفيد الأكبر هو الوطن، إذ سيظل المواطن يخدم في قطاعاته المختلفة أثناء الوظيفة وبعد التقاعد، الأمر الذي سوف يساهم بقوة في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي للمتقاعدين المواطنين.

*باحث إماراتي