باعتباري عالم مناخ يقوم بتوثيق تكلفة الكوارث المناخية، والتي تقدر بتريليونات الدولارات وتؤثر على الاقتصادات وتدمر الأرواح، فإنني أحياناً أتلقى طلبات من المستشارين الاستراتيجيين ومحللي الاستثمار المالي وشركات إعادة التأمين الذين يبحثون عن البيانات المناخية والتحليلات.
فهم، في كثير من الأحيان، يرغبون في الدردشة حول النتائج التي توصلت إليها أو يطلبون مني استخلاص الآثار المترتبة على أعمالهم. على سبيل المثال، طلب مني أحد محللي المخاطر من المساعدة في البحث حول ما الذي تعنيه ظاهرة النينيو الحالية، وهي نمط دوري، بالنسبة للأسواق المالية.
هذه الطلبات منطقية: فالناس والشركات يريدون التكيف مع المخاطر المناخية التي يواجهونها نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. لكن هذه الاستفسارات تشكل أيضاً جزءاً من تحويل علوم المناخ إلى سلعة على نطاق أوسع. يضخ أصحاب رأس المال مئات الملايين من الدولارات في الاستخبارات المناخية بينما يقومون ببناء أعمال سريعة النمو في مجال تحليلات المناخ - البيانات ونماذج المخاطر والتحليلات المصممة والأفكار التي يحتاجها الأشخاص والمؤسسات لفهم مخاطر المناخ والاستجابة لها.
إنني أقوم بتوجيه الشركات إلى بياناتنا وأكوادنا المتاحة مجاناً في مجموعة «دارتموث» لنمذجة المناخ وتأثيراته التي أديرها، لكنني أرفض الطلبات الإضافية لإجراء تقييمات مخصصة. إنني أعتبر المعلومات المناخية منفعة عامة وأخشى أن تساهم في خلق عالم يتم فيه إخفاء المعلومات حول المخاطر التي تتكشف للجفاف والفيضانات وحرائق الغابات والحرارة الشديدة وارتفاع منسوب مياه البحار خلف نظام الاشتراك غير المدفوع.
وسيقوم الأشخاص القادرون على تحمل تكاليف تقييمات المخاطر الخاصة بتأجير وشراء وإنشاء المنازل والشركات في أماكن أكثر أماناً من المليارديرات الآخرين الذين لا يستطيعون ذلك، مما يؤدي إلى تفاقم الحرمان وترك الفئات الأكثر ضعفاً بيننا معرضة للخطر.
ومع ذلك، فإن المستشارين العالميين، والشركات الناشئة في مجال المناخ والتكنولوجيا الزراعية، وشركات التأمين والشركات المالية الكبرى يتسابقون جميعاً لتلبية الطلب المتزايد على المعلومات حول مخاطر المناخ وكيفية الاستعداد لها. وعلى الرغم من أن الكثير من هذه المعلومات متاحة للعامة، إلا أنها غالباً ما تكون ضخمة وتقنية وغير مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يحاولون تقييم تعرضهم لهذه المخاطر. لذا فإن تقييمات المخاطر الخاصة تعمل على سد هذه الفجوة، ولكن بسعر أعلى. ومن المتوقع أن ينمو سوق تحليلات مخاطر المناخ بأكثر من 4 مليارات دولار على مستوى العالم بحلول عام 2027.
لا أقصد أن أقترح عدم إشراك القطاع الخاص في تقديم المعلومات المناخية. فهذا ليس واقعياً. ولكنني أشعر بالقلق من أن الاعتماد المفرط على القطاع الخاص لتوفير المعلومات المتعلقة بالتكيف مع المناخ سيؤدي إلى التأثير على علم المخاطر المناخية المقدم علناً، وهذا يعني أننا جميعاً سندفع الثمن: الأثرياء بالمال، والفقراء بأرواحهم.
تم توضيح المشكلة التي تمثلها الخصخصة في مقابلة أجرتها شبكة «سي إن بي سي» عام 2018 مع «جويل مايرز»، مؤسس شركة «أكيو ويذر» AccuWeather، التي توفر توقعات الطقس العامة وتوقعات أكثر تفصيلاً وتخصيصاً للعملاء الذين يدفعون. وقد روى «مايزر» هذه القصة عن أحد عملاء أكيو ويذر، شركة السكك الحديدية «يونيون باسيفيك»: أخبرناهم أن الإعصار يتجه إلى مكان ما. توقف قطاران على بعد ميلين. شاهدوا الإعصار يمر بينهم. ولسوء الحظ، فقد دخل إلى بلدة لا تتوفر فيها خدماتنا، وقُتل عشرات الأشخاص. لكن شركة السكك الحديدية لم تخسر بعد الاطلاع على هذه التوقعات الدقيقة.
وأشار «مايرز» إلى أن شركته توفر للجمهور معلومات الطقس المدعومة من المعلنين. لكن من المحزن أن نعتبر أن الكوارث المناخية تتسبب في خسائر بشرية فادحة.
يشكل الاحتباس الحراري العالمي مأساة جماعية، وعلى هذا فإن حلول هذه المشكلة، وخاصة فيما يتصل بالمعلومات اللازمة للتكيف مع المخاطر التي تنذر بها، لابد أن تكون منفعة عامة. ولهذا السبب يجب على الحكومات أن تكثف جهودها. فالناس لهم حق أساسي في العلم. ويحتاج مجتمع علوم المناخ إلى تطوير بديل متاح للجمهور بسرعة للمعلومات المناخية.
وبالفعل، تعمل خصخصة المعلومات المناخية على قلب مجتمعي المهني رأساً على عقب، حيث يترك العلماء الأوساط الأكاديمية والمختبرات الوطنية بحثاً عن وظائف استشارية عالية الأجر. من ناحية أخرى، تتحرك المؤسسات الأكاديمية والمختبرات الوطنية ببطء وتحفز العلوم الحذرة والمحافظة، وهو ما يتناقض مع الحاجة الملحة التي يشعر بها الكثير منا في مواجهة تأثيرات المناخ المتسارعة. ولكننا نجازف بخسارة جيل من العلماء المهتمين بالحلول لصالح القطاع الخاص في نفس اللحظة التي يتعين فيها على القطاع العام تنمية تلك المهارات.
ما يقلقني بشكل خاص كعالم هو أن العلوم التي تقدمها الشركات الخاصة تفتقر إلى الدقة التي تتسم بها العلوم العامة. ونتيجة لذلك، قد يتم تحفيز الشركات على المبالغة في المطالبة بدقتها أو حجب النتائج غير الملائمة مع ما يترتب على ذلك من آثار محتملة على المسؤولية. هذا لا يعني أن المعلومات التي يتم توليدها من القطاع الخاص قد لا تكون ذات قيمة أو متفوقة على ما تقدمه الحكومات للجمهور.
ويجب أن تكون المعلومات المتعلقة بمخاطر المناخ، وخاصة المعلومات التي تساعد المجتمعات على إدارة التأثيرات مثل الفيضانات وحرائق الغابات، متاحة مثل توقعات الطقس الحكومية. وينبغي للحكومات توفير الموارد التي تمكن الجمهور من الحصول على هذه المعلومات وتقييمها والتصرف بناء عليها. إن القيام بذلك أمر ضروري لصحتنا وسلامتنا ورفاهنا الجماعي.
على المستوى الدولي، التزمت ما يقرب من 200 دولة اعتمدت اتفاق باريس للمناخ التابع للأمم المتحدة في عام 2015 «بتعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ من خلال زيادة قدرة الجميع على التكيف وبناء القدرة على الصمود، والحد من الضعف».
وعلى المستوى الفيدرالي، سيتطلب الأمر إنشاء خطة تكيف وطنية، تتم إعادة النظر فيها سنوياً، لضمان حصول المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة على فرص متساوية للوصول إلى تقييمات المخاطر التي تحتاجها للقيام باستثمارات تكيف طويلة الأجل.
وأخيراً، ينبغي للجامعات التي تتمتع بالخبرة المناخية إنشاء عيادات للتكيف مع المناخ للتعامل بشكل مباشر مع مجتمعاتها. وبينما يعمل القطاع الخاص على تسريع الجهود الرامية إلى تحويل المعلومات المناخية إلى سلعة في اللحظة التي تحتاج فيها البشرية بشدة، يتعين على الحكومات على كافة المستويات توسيع الجهود لجعل تقييمات المخاطر المناخية واستراتيجيات التكيف متاحة ومفهومة على نطاق واسع.
جاستين إس مانكين
عالم مناخ وأستاذ مشارك في الجغرافيا بكلية دارتموث
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»