في مقالتي الأخيرة، تبادلتُ المزاحَ مع «كريستي نويم»، حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، التي حذّرت بشكل مشؤوم من أن الرئيس جو بايدن سيحولنا إلى أوروبا. قلتُ مازحاً إن هذا يعني إضافةَ خمس أو ست سنوات إلى متوسط العمر المتوقع. عندما شاركت تعليقات نويم على وسائل التواصل الاجتماعي، سأل بعض المعلقين عما إذا كان هذا يعني أننا على وشك الحصول على خدمة قطار جيدة وطعام أفضل.
ملحوظة للأميركيين الشباب: لدينا بالفعل طعام أفضل. صحيح أن المكرونة البولونيز تظل أفضل للغاية في بولونيا من أي شيء يمكنك الحصول عليه هنا، حتى في نيويورك، لكن ليس لديك أي فكرة عن مدى سوء المطبخ الأميركي في السبعينيات.
لكن تصريحات نويم كانت جزءاً من تقليد طويل لدى المحافظين الأميركيين: الإصرار على أن أوروبا تعاني بالفعل من الكوارث التي يزعمون أنها ستحدث نتيجة للسياسات الليبرالية هنا. والقضية المطروحة الآن هي الهجرة. لكن في الماضي كان من المفترض أن يكون هذا الواقع المرير الأوروبي هو نتيجة للضرائب المرتفعة والفوائد الاجتماعية السخية، والتي دمرت الحافز للعمل والإبداع. لذا يبدو من المفيد أن نتساءل عن المشاكل التي تواجهها أوروبا حقاً، وعن مشاكلها التي تختلف عن مشاكلنا.
في المناقشات التي تتعلق بأوروبا والولايات المتحدة، وبعد إجراء مقارنات، أجد أنه من المفيد التمييز بين التطورات التي حدثت قبل جائحة كورونا والتطورات التي حدثت منذ ذلك الحين، حيث إننا اتبعنا سياسات مختلفة تماماً في الاستجابة لتلك الجائحة.
إذن، كيف كانت المقارنة بين أوروبا وأميركا من الناحية الاقتصادية في عام 2019؟ بشكل عام، كانتا متشابهتين على نحو مدهش.
كثيراً ما أقابل أشخاصاً يعتقدون أن أوروبا تعاني من البطالة الجماعية وأنها متخلّفة كثيراً عن الولايات المتحدة من الناحية التكنولوجية. لكن هذا الرأي عفا عليه الزمن منذ عقود. يكون البالغون في سنوات عملهم الأولى أكثر عرضة إلى حد ما للعمل في الدول الأوروبية الكبرى مقارنة بأميركا. ويعرف الأوروبيون أيضاً كل شيء عن تكنولوجيا المعلومات، والإنتاجية لكل ساعة عمل هي نفسها تقريباً في أوروبا كما هي هنا.
صحيح أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل عموماً في أوروبا، لكن هذا يرجع في الأساس إلى أن الأوروبيين يأخذون وقت إجازة أطول بكثير من الأميركيين، وهو خيار وليس مشكلة. وهناك فجوة متزايدة بين متوسط العمر المتوقع في أوروبا والولايات المتحدة، لأن نوعية الحياة تكون أعلى بشكل عام.
ولكي أكون واضحاً، فإن أوروبا ليست مدينة فاضلة. هناك العديد من المشاكل الحقيقية، حتى في الدول التي تتمتع بشبكات الأمان الاجتماعي التي لا يمكن إلا للتقدميين الأميركيين فقط أن يحلموا بها. تعد الدنمارك واحدة من أسعد الدول على هذا الكوكب، لكن هناك رغم ذلك ثمة عدد كبير من الدنماركيين الحزانى، وقد شهدت البلاد صعوداً للشعبوية اليمينية.
ورغم ذلك فأوروبا في وضع جيد إلى حد مذهل، اقتصادياً واجتماعياً، مقارنة بأي جزء آخر من العالم تقريباً. لكن أغلب الناس يشعرون بأن أوروبا تشهد انحداراً نسبياً، وأن اقتصادها كان ينمو بشكل أبطأ من اقتصاد الولايات المتحدة على مدى العقود القليلة الماضية.. وهذا الشعور صحيح. لكن التفسير قد يفاجئك: الأمر كله يتعلق بالديموغرافيا.
منذ عام 1999، العام الذي ظهر فيه اليورو، وحتى عام 2019، عشية الوباء، نما الاقتصاد الأميركي بشكل أكبر بكثير من منطقة اليورو بالقيمة الحقيقية، أي 53% مقابل 31%. لكن كل هذا الاختلاف تقريباً يُفسَّر بحقيقة أن عدد السكان في سن العمل في الولايات المتحدة (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) قد زاد كثيراً خلال هذين العقدين، في حين أن عدد السكان في أوروبا لم يَنمُ على الإطلاق (وشهد تراجعاً في السنوات الأخيرة). وارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لكل شخص بالغ في سن العمل بنسبة 31% في الولايات المتحدة، وبنسبة 29% في منطقة اليورو.
هل يشكل الركود السكاني في أوروبا مشكلةً؟ إنه يثير مخاوف مالية: هل تستطيع القوى العاملة المتقلصة دعم عدد متزايد من المتقاعدين؟ (يمكن تخفيف هذه المشكلة إذا قبلت أوروبا المزيدَ من المهاجرين). لكن من الصعب النظر إلى تلك الأرقام باعتبارها صورة للأزمة الاقتصادية.
هذه صورة لعام 2019، قبل الوباء. وماذا عن التطورات منذ ذلك الحين؟
في أوروبا، كما هو الحال في الولايات المتحدة، أدت الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا، ثم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلى ارتفاع التضخم. وفي الواقع، إذا استخدمت مؤشرات أسعار قابلة للمقارنة، فإن التضخم التراكمي منذ أوائل عام 2020 كان هو نفسه تقريباً على ضفتي الأطلسي.
وبالمناسبة، فإن هذا التشابه يلقي بظلال من الشك على الادعاءات بأن سياسات إدارة بايدن، على عكس الاضطرابات المرتبطة بالجائحة، والتي أثرت على العالم بأسره، هي المسؤولة عن التضخم في الولايات المتحدة.
لكن الولايات المتحدة شهدت انتعاشاً اقتصادياً أقوى كثيراً من التعافي الاقتصادي في أوروبا أكثر مما يمكن تفسيره بالاختلافات في النمو السكاني. وربما يعكس هذا جزئياً سياسات بايدن: فقد بذلت أميركا جهوداً أكبر بكثير لتحفيز التعافي من خلال الإنفاق الحكومي.
وعلاوة على ذلك، وفي حين أن التضخم يتراجع في أوروبا بنفس الطريقة تقريباً التي حدث بها في الولايات المتحدة، فإن المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي على الأقل يبدون أكثر تردداً من نظرائهم الأميركيين في التراجع عن الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة، لذا فإن أوروبا تواجه مخاطر أكبر بكثير فيما يتعلق بحدوث ركود.
إذن ما هي مشكلة أوروبا؟ لم يتم اجتياح القارة من قبل المهاجرين، ولم تنجح دول الرفاهية القوية فيها في خنق الحوافز للعمل والابتكار.. لكن أوروبا تعاني من صناع القرار السياسي المفرطين في المحافظة، ليس بالمعنى السياسي بين اليسار واليمين، ولكن بمعنى القلق الشديد بشأن التضخم والديون، والتردد الشديد بشأن تعزيز التعافي الاقتصادي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»