عملية السابع من أكتوبر، وما تلاها من حرب في غزة، أخرجت حرب الظل إلى الضوء والعلن. الصراع المستمر في غزة أشعل سلسلةً من التوترات الإقليمية الناشئة التي قد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ولذا فقد حذّر أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، مِن أن الوضع في الشرق الأوسط «متقلب بشكل لا يصدق»، وذلك بعد الهجوم المميت الذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين على الحدود السورية الأردنية، ما أثار احتمال حدوث مواجهة عسكرية واسعة النطاق.
المنطقة تعج بالتوترات المتزايدة، فهناك ضربات متبادلة في جنوب لبنان، وهجمات حوثية في البحر الأحمر، واحتكاكات بين إيران وباكستان، وقتال في منطقة شرق أفريقيا، واتساع نافذة المواجهة بين الأردن ومهربي المخدرات في سوريا، وزيادة الهجمات على القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا.
أما في غزة فمن الواضح أن «حماس» لا تتوقع انتصاراً عسكرياً، بل تهدف إلى إخراج بمستوى «العلاقات العامة».. وهذا ما قد يخلق وضعاً جيوسياسياً معقداً ربما يؤدي عن غير قصد إلى تصعيد عسكري في الإقليم. وفي هذا السياق يبشر «توماس فريدمان»، في مقاله الأخير الذي نشرته «نيويورك تايمز»، بـ«استراتيجية بايدن» الجديدة، حيث يقول: «نحن على وشك أن نرى استراتيجية جديدة لإدارة بايدن تتكشف لمعالجة هذه الحرب متعددة الجبهات، والتي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة». ويضيف فريدمان أنه ستكون لاستراتيجية بايدن ثلاثة مسارات: أولها اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، وثانيها مبادرة دبلوماسية أميركية للترويج لقيام دولة فلسطينية، وهو ما يعني شكلاً من أشكال الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما المسار الثالث فسيكون «تحالفاً أمنياً أميركياً موسعاً» إلى حد كبير، وقد يتضمّن إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل وبعض دول المنطقة، على أن تكون الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتبنّي عملية دبلوماسية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح بقيادة سلطة فلسطينية متحوّلة.
ولعل فريدمان من خلال طرح هذا التصور لاستراتيجية بايدن، يحاول تسويقها لمصلحة حملة الرئيس الانتخابية.
أما وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من جهته، فاعتبر أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة خطيرة في الوقت الحالي، مؤكداً مواصلة واشنطن العمل على تجنب توسيع الصراع في المنطقة، بينما تتخذ الإجراءات لحماية قواتها ضد الهجمات التي تتعرض لها منذ أكتوبر الماضي.
إن المصفوفة التي يطرحها توماس فريدمان لخطة الرئيس بايدن، ذات أهمية، بما لها من صلة بأحداث غزة غير المتوقعة التي غيّرت المعادلة، وما تلاها من حرب إسرائيلية متواصلة بلا هوادة وغير مسبوقة، بما سببته من مآسي إنسانية يدفع ثمنَها الشعبُ الفلسطيني.
وفي ضوء التحولات والتغيرات الإقليمية، الجيوسياسية في المنطقة، وبالتوازي مع طرح استراتيجية الرئيس بايدن لإقامة «تحالف أمني أميركي موسع» للمنطقة، يمكن القول إن دول الخليج، بضفتيه، لديها فرصة استراتيجية للتفاهم وإزالة الفجوة بينها، وصولاً إلى تبني مقاربة سلمية يمكن من خلالها الخروج بتصور جماعي، يكون مؤيَّداً من الولايات المتحدة، تجاه منطقة الخليج، وبسياسة تلتزم بها الدول الخليجية ككل، بغية التوصل إلى مبادئ عامة حاكمة تلتزم بموجبها دول الجوار الجغرافي بالمحافظة على الأمن والاستقرار، وسلامة الممرات البحرية.

*سفير سابق