بناءً على نصيحة صندوق النقد الدولي، دخل المغرب اعتباراً من يوم 14 يناير 2018 مرحلة اقتصادية جديدة من خلال «تعويم» عملته الوطنية (الدرهم المغربي)، وبدأ محاولة التحول من نظام صرف ثابت إلى نظام صرف يتسم بمرونة تسمح للدرهم أن يتحرك بنسبة 5% فقط (2.5 في المئة صعوداً و2.5 في المئة هبوطاً) على أمل أن يتم التوسع تدريجياً بغية الوصول إلى «التعويم الكامل» الذي يستهدف تقوية مناعة الاقتصاد الوطني إزاء التأثيرات الخارجية، ودعم تنافسيته وتحسين مستوى نموه، وتمكينه من مواكبة التحولات الهيكلية، خاصة على مستوى التنويع والانفتاح والإندماج في الاقتصاد العالمي.

وفي يوم 9 مارس 2020، انتقل الدرهم إلى المرحلة الثانية، برفع نسبة التحرك إلى 10 في المئة (5 في المئة صعوداً و5 في المئة هبوطاً).

وعلى الرغم من ضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين من أجل الانتقال نحو «التعويم الكامل»، فإن البنك المركزي المغربي صمد في موقفه، وبقي متمسكاً بالإبقاء على هذه النسبة المحدودة من «التعويم»، دون الانتقال إلى المرحلة الثالثة، خصوصاً أنه قد ثبت حتى الآن أن صرف الدرهم مقابل اليورو والدولار ظل ثابتاً، مع الأخذ في الاعتبار حدوث أي ارتفاع نسبي مقابل الدولار وأي انخفاض مقابل اليورو، نتيجة رفع قيمته.

واللافت بعد ست سنوات، أن صندوق النقد، وعلى لسان رئيس وفده إلى الرباط روبيرتو كارداريلي، اعترف بأن الظروف الدولية لا تساعد على «تعويم» الدرهم المغربي، مؤكداً بأن الانتقال إلى مرحلة أعلى في مسلسل «التعويم»، يقتضي الانتظار إلى حين زوال حالة «عدم اليقين» السائدة على الصعيد الدولي. وحث على ضرورة الإسراع بإصلاحات هيكلية، وتوسيع الحماية الاجتماعية، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص، ومعالجة تحديات التغير المناخي.

وإذا كان بعض الخبراء يرى أن المغرب قد تباطأ في تحرير سعر صرف عملته الوطنية، فإن البنك المركزي المغربي يرى بدوره أنه يدرس بدقة وبعمق شديدين أهميةَ هذه الخطوة، وجميع تداعياتها المحتملة، تمهيداً لاتخاذ قرار فك ارتباط الدرهم باليورو (60 في المئة) والدولار (40 في المئة) حين يحين الوقت المناسب لذلك. وقد يتم ذلك من خلال مخطط استراتيجي يمتد للفترة ما بين عامي 2024 و2028. ويشمل إضافة إلى تحرير سعر الصرف، إنهاءَ مشروع العملة الرقمية، ومشروع قانون يسمح بتداول الأصول المشفرة.

ويتوقف إصدار هذا القرار على توفر ثلاثة شروط يؤكد عليها محافظ «المركزي» المغربي عبد اللطيف الجواهري، وهي: الاستعداد التام للشركات، ووجود رصيد كاف من العملات الأجنبية، واستقرار معدل التضخم دون 2 في المئة. وهذا مع العلم بأن معدل التضخم في العام الماضي كان 6.6 في المئة، ويتوقع أن ينخفض إلى 6.1 في المئة العام الحالي، ثم إلى 2.4 في المئة في غضون العامين المقبلين. ويبدو أن مسيرة التعويم التي ينتظر أن تستغرق عدة أعوام، تصطدم بمؤثرين سلبيين: أولهما ارتفاع حجم الدَّين العام، الذي يزيد على 100 مليار دولار ويشكل نحو 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما المؤثر الثاني والأهم فهو ارتفاع فاتورة مستوردات الوقود التي تسهم في ارتفاع عجز الميزان التجاري، وتنعكس سلباً على الحساب الجاري لميزان المدفوعات، كما تسهم في تقليص احتياطي العملات الأجنبية الذي يعتبر صمام الأمان لحماية الدرهم.

وفي هذا المجال، لوحظ أن العجز التجاري السنوي انكمش (وفق تقرير هيئة تنظيم الصرف) بنسبة 7.3 في المئة إلى 286 مليار درهم (28.6 مليار دولار) العام الماضي، نتيجة انخفاض واردات الطاقة بنسبة 20.4 في المئة، وزيادة إيرادات السياحة بنسبة 11.7 في المئة، إضافةً إلى ارتفاع حجم تحويلات المغاربة في الخارج إلى رقم قياسي بلغ نحو 12 مليار دولار، وهو مِن أهم مصادر النقد الأجنبي في المملكة.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية