عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، كان دَينُها العام يشكل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ثم ارتفع إلى 40 في المئة لدى دخولها الحرب العالمية الثانية، لكنه تضاعف إلى 130 في المئة بعد خروجها من هذه الحرب.

أما الآن فبلغ الدين الأميركي 34 تريليون دولار، وتجاوز نسبة 150 في المئة من حجم الاقتصاد البالغ نحو 22 تريليون دولار، أي أن نصيب الفرد يزيد على 100 ألف دولار، على افتراض أن عدد السكان 330 مليون نسمة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أنه قبل الحرب العالمية الثانية كان هناك انكماش مالي وانخفاض في الأسعار، أما الآن فإن واشنطن تلجأ إلى طبع النقود غير المغطاة، وهي بالكاد تتجنب مخاطر التضخم. ووفق توقعات مكتب الميزانية في الكونغرس كان يفترض أن لا يتجاوز الدين الحكومي حدود 34 تريليون دولار إلا بحلول عام 2029، لكنه تجاوز هذا المستوى قبل ست سنوات من ذلك التاريخ، بفعل توسع إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن في الاقتراض بوتيرة سريعة، حيث زاد الدَّين في ولاية ترامب (2017– 2021) بنحو 8.2 تريليون دولار، وخلال السنوات الثلاث (2021–2024) من ولاية بايدن زاد بنحو 6.6 تريليون دولار، وربما يتجاوز الرقم القياسي الذي سبق أن سجله سلفه بعد انتهاء ولايته في يناير 2025.

وفيما لم يعلن حتى الآن مجلس الاحتياطي الفيديرالي (البنك المركزي) السيطرةَ على التضخم المرتفع، والبدء بخفض الفائدة، فقد كشفت بيانات رسمية حديثة عن أن حالات التخلف عن السداد في بطاقات الائتمان داخل السوق الأميركية زادت بأكثر من 50 في المئة خلال العام الماضي، مع تضخم إجمالي ديون الأسر الأميركية إلى 17.5 تريليون دولار.

لكن المفارقة الكبرى أنه رغم ارتفاع سعر الفائدة فقد تراجعت أرباح البنوك الكبرى، متأثرةً بتراكم الديون المتعثرة، إذ بلغ حجم الأقساط التي لم تسدد في الربع الأخير من العام الماضي 24.4 مليار دولار لدى أربعة بنوك مقرضة (جي بي مورغان تشيس، بنك أوف أميركا، ويلز فارغو، وسيتي غروب)، وزاد عدد الشركات المفلسة بنسبة 30 في المئة في سبتمبر الماضي، وفق بيانات المحاكم الأميركية.

وذلك في وقت تزداد فيه المخاوف من عودة سيناريو أزمة تعثر البنوك التي حدثت العام الماضي. أما الحصاد الأكبر فرصدته شركة «هينلي» لاستشارات الهجرة الاستثمارية التي أكدت أن ثلاث مدن أميركية (نيويورك، لوس أنجلوس، وشيكاغو) تحتضن «أثرى الأثرياء»، وعددهم نحو 670 ألف ثري، بينهم 124 مليارديراً. وتحتل الولايات المتحدة أعلى نسبة من المليونيرات في العالم، إذ تبلغ حصتها 40 في المئة من إجمالي الأثرياء، تأتي بعدها الصين وفرنسا بفارق كبير، وفق البيانات الصادرة عن «فيجيوال كابيتاليست».

واللافت أن ذلك يحدث في وقت تتضاعف فيه المخاوف المرتبطة بحالة عدم الاستقرار الاقتصادي، مع تصاعد الحرب في الشرق الأوسط، وما يرافقها من أحداث أمنية في البحر الأحمر تمثل تهديداً لحركة الشحن البحري الحيوية. وهذه أبرز التطورات التي ستحدد مسار الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية والنقدية، ومدى تأثيرها، خصوصاً لجهة وقوع اقتصادات كبرى في حالة ركود وتباطؤ، بما لذلك من انعكاسات على الدول الناشئة خصوصاً.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية