في السابع من مارس الجاري، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطابَ حالة الاتحاد أمام جلسة مشتركة للكونجرس. كان «الديمقراطيون» قلقين من أن يَظهر كرجل ضعيف فقد مهاراته السياسية التي خدمته جيداً لمدة 50 عاماً في السياسة. لكن بإلقائه خطاباً قوياً وتحدّيه للمقاطعين له من الحزب الجمهوري في مجلس النواب، أكد أنه رغم كونه قد يكون رجلاً مسناً فإنه ما زال يمتلك ما يلزم لإلقاء خطاب شعبوي وبنفَس حماسي.
كان الخطاب فريداً مِن نوعه من عدة نواح، وبدلاً من أن يستهلّه بقائمة مثيرة من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت خلال العام الماضي، آثر التركيز خلال الدقائق الخمس الأولى من خطابه على السياسة الخارجية ودور أميركا في العالَم. واستشهد بعبارات من الخطاب الذي ألقاه فرانكلين روزفلت أمام الكونجرس في السادس من يناير 1941، عندما هاجم السياسات الانعزالية التي كانت تدافع عنها «لجنة أميركا أولاً» ومعارضتها لدخول الولايات المتحدة الحربَ العالمية الثانية، قبل أن ينتقل إلى موضوع الحرب في أوكرانيا وضرورة مدّها بمزيد من الأسلحة قائلاً: «إن مساعدة أوكرانيا تواجه عرقلة الآن من قِبل أولئك الذين يريدون الانسحاب من زعامتنا للعالم». 
وللتأكيد على تاريخ الحزبين الحديث في الوقوف في وجه الحكومات الاستبدادية، قال بايدن: «قبل زمن ليس بطويل، قال الرئيس الجمهوري رونالد ريجان: اهدم هذا الجدار يا سيد غورباتشوف». ثم أشار إلى التباين بين نهج ريجان تجاه الزعماء المستبدين ونهج الرئيس السابق دونالد ترامب الذي قال لروسيا مؤخراً: افعلي ما تشائين مع أي دولة من حلف الناتو لا تدفع ما يكفي للدفاع! 
وواصل بايدن هذا المستوى العالي من الخَطابة على مدى أكثر من ساعة من دون أي هفوات كبيرة أو أي مؤشر على ضعف جسدي. وعلى نحو متوقع، أشار منتقدو بايدن إلى أنه ربما تناول أدويةً قبل الخطاب واتهموه بأنه كان جد صاخب وجد متعصب لحزبه. والواقع أنه من بعض النواحي، يمكن القول: إن المنتقدين كانوا على حق، لأن بايدن ألقى خطاباً انتخابياً.
كان الهدف الأساسي للخطاب هو إقناع أنصار بايدن، وعموم البلاد والزعماء الأجانب، بأنه قادر وراغب في السعي لإعادة الانتخاب ولوضع «الجمهوريين» في موقف دفاعي بخصوص العديد من القضايا الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية ودعم العائلات وزيادة الضرائب على أصحاب المليارات. كما استطاع التحدثَ عن واحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل، ألا وهي الهجرة غير الشرعية. فبعد أشهر من المفاوضات، قُدِّم إلى مجلس الشيوخ الأميركي مشروعُ قانون يحظى بدعم الحزبين لتشديد أمن الحدود مع المكسيك، لكنه فشل في المرور لأن ترامب اعتبر أن من شأن تلك المقترحات أن تساعد بايدن وبالتالي يجب رفضها! وتضمّن مشروعُ القانون العديدَ مِن الإجراءات الصارمة التي كان الجمهوريون يصرّون على تضمينها فيه.
وما زالت تفصلنا عن انتخابات نوفمبر عدة أشهر، كما أن الأحداث يمكن أن تغيّر ديناميكيات السباق ونتائج استطلاعات الرأي.. غير أنه في الوقت الراهن، يمكن القول بأن بايدن استعاد جاذبيتَه بين «الديمقراطيين» عموماً، لكنه ما زال يواجه صعوباتٍ مع الشباب والأميركيين المنحدرين من أصول لاتينية والأميركيين المسلمين الذين يصوّتون للحزب الديمقراطي بانتظام. أما إن كان سيستطيع تعبئةَ هؤلاء المنتقدين وكسب تأييدهم فذاك أمر يتوقف على الاقتصاد وعلى ما يحدث حالياً في الشرق الأوسط. كما سيتعين عليه أن يبدي سياسةً أكثر استباقيةً تجاه معضلتي الجريمة والتشرد.
وتظل الحقيقة هي أن بايدن وترامب رجلان مسنّان؛ فكلاهما يبدي علامات على النسيان، وكلاهما غير محصّن ضد الإعاقات التي قد تحدث خلال حملة انتخابية طويلة وصعبة. كما يتعين على كليهما الصمود في وجه الضغوط والدراما في مؤتمري حزبيهما اللذين سيقومان بترشيحهما رسمياً. وسيواجهان بعد ذلك شهرين من التجمعات المتواصلة، الكبيرة والصغيرة، قبل يوم الانتخابات.
وربما يجدر بنا هنا تذكر الكلمات الحكيمة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد ويلسون: «إن أسبوعاً في السياسة وقتٌ طويل».

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن