عندما أقرت حكومة العراق في مطلع العام الماضي اعتماد الموازنة الاتحادية لثلاث سنوات (2023-2024-2025)، كانت تراهن في تغطية العجز المالي البالغ 48.4 مليار دولار على ارتفاع أسعار النفط فوق السبعين دولاراً للبرميل، وهو السعر المعتمد في أرقام الموازنة. وقد نجحت في رهانها، حيث تجاوز السعر 86 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ نوفمبر الماضي. وإذا كان بنك «غولدمان ساكس» يتوقع أن يظل السعر بين 70 و90 دولاراً للبرميل، مع علاوة الأخطار الجيوسياسية جراء الحربين في أوكرانيا وغزة، فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية رفعت توقعاتها إلى 87 دولاراً كمتوسط سعر للبرميل في العام الحالي.

وهذا مع الأخذ في الاعتبار نموَّ الطلب العالمي بنحو 1.3 مليون برميل يومياً (وفق وكالة الطاقة الدولية)، رغم التباطؤ المتوقع في النمو الاقتصادي، علماً بأن شركة «بيكر هيوز» كشفت عن ارتفاع عدد المنصات الأميركية للتنقيب عن النفط إلى 510 منصات في منتصف مارس الحالي. ويستدل من تلك التطورات على أن العراق الذي تعتمد موازنتُه على إيرادات النفط بنحو 95 في المئة، يجب أن يستفيد من ارتفاع الأسعار لتغطية نفقاته الكبيرة وما ينتج عنها من عجز مالي. لكن يبدو أن تطور النفقات الحقيقية يحمل مؤشرات سلبية، وهذا ما يؤكده تقرير لصندوق النقد الدولي صدر مؤخراً، إذ يَتوقع أن «يؤدي ارتفاع الإنفاق إلى دفع سعر برميل النفط المطلوب، لتحقيق التعادل المالي، إلى ما فوق 90 دولاراً في العام الحالي».

وفي ظل غياب تدابير وإجراءات جديدة، سيرتفع عجز المالية العامة إلى 7.6 في المئة وسيرتفع حجم الدين العام. ووفق الأرقام المتاحة، يقدّر الدَّينُ العراقي حالياً بنحو 75 مليار دولار، منها 55 ملياراً دين داخلي، وهو ما يمثل مشكلةً عويصة، خصوصاً وأن البنك المركزي قام بخصم معظمه ليصبح جزءاً من المحفظة الاستثمارية للسلطة النقدية، إلا أن المشكلة تكمن في أن حجم الفوائد مع الأقساط يصل إلى 12 تريليون دينار سنوياً. أما الدين الخارجي، فيقدر بنحو 20 مليار دولار، ويصل حجم فوائده وأقساطه سنوياً إلى أقل من تريليوني دينار.

مع الإشارة إلى أن الخبراء يتساءلون: لماذا لا تدفع الدولة هذه الديون، ولدى البنك المركزي احتياطي يبلغ 112 مليار دولار؟ وقد لوحظ أن العراق يحتل مرتبةً متأخرة في نمو اقتصاده، إذ يأتي في المرتبة 121 عالمياً من بين 189 دولة، والمرتبة 12عربياً (وفق مجلة «سي وورلد»). لكن صندوق النقد أكد أن العراق تمكن العام الماضي من مواجهة التقلبات، وسينتعش في العام الحالي بدفعة معنوية قوية للاقتصاد، لتجاوز الصدمات الخارجية، بفضل تعزيز إدارة المالية العامة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 في المئة ليبلغ 297 مليار دولار، مع دخل فردي يبلغ 5880 دولاراً، في بلد يصل عدد سكانه 43.5 مليون نسمة.

ورغم ضآلة الحجم الاستثماري في الموازنة والبالغ 36 مليار دولار مقارنةً مع المبالغ «التشغيلية» التي تزيد على 115 مليار دولار، فقد أشادت بعثة الصندوق في تقريرها بالإجراءات الحكومية لتحسين مناخ الأعمال وتحفيز البيئة الاستثمارية، خاصةً بعد أن حقق العراق تقدماً في نمو الناتج المحلي غير النفطي بلغ 6 في المئة العام الماضي.

لكن وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني أعلنت أن العراق حصل على ائتمان عالي المخاطر بدرجة CAA1 مستقرة، وهو ما يضعه في خانة التزامات ضعيفة وتحمل مخاطر مرتفعة جداً، لكن النظرة المستقرة تعكس التوازن بين التطورات الإيجابية في الفترة الأخيرة، وهشاشة الوضع المالي والاقتصادي والسياسي والأمني بشكل عام.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية