رغم كل الانتصارات التي حققتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في حربها ضد تنظيم «داعش» – وهي عديدة - إلا أننا لم نهتدِ بعد إلى كيفية دحره نهائياً. ففي 22 مارس الماضي، استهدف هجوم إرهابي قاعة للحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية موسكو، ما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصاً وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين بإصابات خطيرة. هذا الهجوم مثّل أحدث تذكير مميت بأن تنظيم «داعش» - وخاصة فرعه «خراسان» الذي ينشط في أفغانستان وإيران وباكستان («داعش - خراسان») – ما زال يشكّل تهديداً كبيراً. إنه درس مؤلم تعلّمه الأفغان والأميركيون على حد سواء في أغسطس 2021، عندما نفّذ تنظيم «داعش- خراسان» عملية انتحارية معقدة أسفرت عن مقتل 170 مدنياً أفغانياً على الأقل و13 جندياً أميركياً في كابول وسط الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان.
ومنذ بداية العام الجديد، شنّ تنظيم «داعش- خراسان» هجمات قاتلة في إيران وتركيا. كما أُحبطت العديد من مخططات «داعش- خراسان» في أوروبا، حيث اعتُقل العديد من الأشخاص في النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا. ومؤخراً، وبعد 4 أيام على هجوم موسكو، نشر موقع «البتار ميديا» التابع لـ «داعش» رسالةَ تهديد لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا: «من التالي؟». ومنذ ذلك الحين، رفعت كل من فرنسا وإيطاليا مستويات التهديد الإرهابي.
كل هذه الأحداث تشير إلى ما بتنا نعرفه الآن: أن تجريد تنظيم «داعش» من «الخلافة» التي أعلنها شيء، وهزمه شيء ثانٍ مختلف. ففي ذروة قوتها، كانت مساحة «دولة داعش» تعادل مساحة بريطانيا، إذ كانت تمتد من بلاد الشام إلى جنوب شرق آسيا، وكانت تضم أكثر من 40 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 80 دولة. وبعد أن طُرد من هذا المعقل، أعاد «داعش» تشكيل نفسه في بلدان أخرى، وأصبح تنظيماً متخفياً بأشكال أقل قابلية للاكتشاف، ولكنها أكثر خطورة.
وللحؤول دون وصول هذا التهديد إلى أميركا وحلفائها، يجب على الولايات المتحدة أن تمنع هدر عقدين من الخبرة في مكافحة الإرهاب. ولا شك في أن هناك تهديدات خطيرة أخرى تستحق اهتمام واشنطن، مثل التحركات الصينية وتحدي الذكاء الاصطناعي. لكن من أجل الحفاظ على سلامة الأميركيين، يجب أن تظل مكافحة الإرهاب أولوية استراتيجية، وهذا يشمل إيجاد طريقة لمراقبة تنظيم «داعش» في أجزاء من العالم لم يعد لنا فيها وجود.
«داعش» تنظيم يتميز بالمرونة الفائقة. فالحملات العسكرية الغربية الشرسة ساعدت على تفكيك «خلافته»، وقلّصت كثيراً خلال السنوات الأخيرة عمليات مسلحيه في بلدان أخرى، بما في ذلك الفلبين وسوريا. لكن بدلاً من أن يختفوا، راحوا يعيدون تسمية أنفسهم، وتجنيد مقاتلين جدد تحت اللواء نفسه، والتخطيط لهجمات جديدة. وعاود بعضُهم الظهورَ في بلدان أخرى وهم أفضل تدريباً وتخفياً. وبعضهم عاقدٌ العزمَ على ارتكاب أعمال إرهابية كالتي نشهدها الآن، إذ يعبرون الحدود ويتسللون إلى البلدان المستهدفة.
لكن، كيف تمكنت جماعة إرهابية تعمل من منطقة نائية في أفغانستان من توسيع شبكاتها والبدء في التخطيط لعمليات خارجية بهذا الامتداد العالمي؟
جزء من الإجابة هو أننا غادرنا أفغانستان. فقبل انسحاب الولايات المتحدة منها، كان تنظيم «داعش- خراسان» مقيّداً بشكل أكبر بكثير، لاسيما قدرته على شن هجمات خارجية. وفي اتفاقية بين الولايات المتحدة و«طالبان» وُقع عليها عام 2020، وافقت «طالبان» على منع التنظيمات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها. وبالمقابل، وافقت واشنطن على سحب كل قواتها من البلاد. وكان شرط منع التنظيمات الإرهابية من استخدام أفغانستان كقاعدة لعمليات التنظيمات الإرهابية مرتبطاً في المقام الأول بعلاقة «طالبان» الطويلة والحميمة مع تنظيم «القاعدة». ومن ناحية أخرى، تُعد حركة «طالبان» وتنظيم «داعش - خراسان» عدوين لدودين، وهما يقاتلان بعضهما البعض منذ أن بدأ تنظيم «داعش - خراسان» العمل في أفغانستان عام 2015، في ذروة ما يسمى «خلافة داعش».
وعليه، فإذا كانت حركة «طالبان» تنوي، حين وصلت إلى السلطة، محاربة تنظيم «داعش- خراسان» وإبقاء مقاتليها تحت السيطرة، فإن نجاحها كان متبايناً في أحسن الأحوال. ذلك أن مقاتلي «طالبان» كانوا متمردين على درجة عالية من الفعالية، لكنهم أثبتوا أنهم أقل فعالية بكثير في دورهم الجديد في محاربة التمرد ومحاربة الإرهاب.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

كريستوفر كوستا
مساعد خاص سابق للرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي (2017 -2018)

وكولن كلارك

مدير البحوث بشركة «سوفان جروب» للاستشارات الأمنية والاستخباراتية في نيويورك