بين الفلسطينيين، يحظى مروان البرغوثي بشعبية كبيرة. هو سياسي وأستاذ جامعي وصانع سلام مسجون الآن بتهمة المقاومة المسلحة، الرجل الذي يعتبره الكثيرون «مانديلا الفلسطينيين»، يبدو اسمه أكثر حضوراً من أي وقت مضى وسط الحرب المدمرة بين إسرائيل و«حماس» في غزة والعنف المتزايد في الضفة الغربية. البرغوثي، الذي ارتقى من مزارع متواضع إلى ناشط مجتمعي فزعيم لحركة «فتح» الوطنية، اشتهر بكونه خطيباً مفوهاً ولطيف المعشر.

رسالته المتمثلة في الديمقراطية والوحدة ومقاومة الاحتلال يتردد صداها اليوم بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة الذين يتعرضون للهجوم، ولا يثقون في قيادتهم السلطوية، وسيصوّتون له إن أتيحت لهم الفرصة. فهو الشخصية السياسية الوحيدة التي تتفوق على حركة «حماس» في استطلاعات الرأي. ويظل البرغوثي، الذي يقضي حالياً 5 أحكام بالسجن المؤبد بعد إدانته من قبل محكمة إسرائيلية لتورطه في عمليات قتل إبان الانتفاضة الثانية، الشخصية النادرة - وربما الوحيدة - التي تحظى بثقة كل الفصائل الفلسطينية.

ومع مطالبة غريمة «فتح»، «حماس»، بإطلاق سراحه من السجن الإسرائيلي، بل ودعوة رئيس جهاز تجسس إسرائيلي سابق لذلك، أخذ مجرد احتمال عودة البرغوثي إلى الساحة يثير المشهد السياسي الفلسطيني، والأمل، في مفترق طرق تاريخي. ويعتقد الكثيرون أن البرغوثي، إن أُطلق سراحه من السجن، سيذهب مباشرة إلى غزة في مسعى لإصلاح ذات البين بين «فتح» و«حماس» - التي يصف اقتتالها الداخلي بـ«الكارثة» - وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة واسعة يمكن أن تحل الصراع الحالي مع إسرائيل.

العديد من المقربين منه نقلوا عنه قوله مؤخراً: «يجب أن نحقق الوحدة، ومن ثم الحرية». ويقول رفيق البرغوثي، محمود الجابري، من مكتب «حملة أطلقوا سراح مروان البرغوثي» في رام الله: «إذا كان المجتمع الدولي جاداً بشأن حل الصراع في غزة، فإنه سيضغط من أجل إطلاق سراح مروان»، مضيفاً: «إنه مفتاح أي حل سياسي في المستقبل». غير أن شعبيته الأساسية اليوم هي باعتباره رجل سلام ومقاومة معاً. بعض الإسرائيليين ما زالوا منفتحين على التعامل مع البرغوثي الذي أيد عملية السلام بحماس لعدة سنوات، حين كان مستشاراً بخصوص اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل و«منظمة التحرير الفلسطينية».

وبصفته عضواً في «المجلس التشريعي الفلسطيني»، كان البرغوثي يلتقي بانتظام مع قادة الأحزاب الإسرائيلية ويقوم بزيارات إلى أوروبا ضمن وفود برلمانية إسرائيلية فلسطينية مشتركة. ويقول زملاؤه إنه كان يعرف شخصياً نصف أعضاء البرلمان الإسرائيلي «الكنيسيت». وعندما بدأت «حماس» سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل في 1996، قاد البرغوثي مسيرة مؤيدة للسلام إلى جانب النشطاء الإسرائيليين منددين بالهجمات.

ويقول المسؤول في السلطة الفلسطينية قدورة فارس، زميل ومستشار في فتح: «آمن مروان بأوسلو باعتبارها فرصة للاستثمار في السلام وبناء الدولة»، مضيفاً: «إنه كان يؤمن بضرورة بناء ثقافة سلام للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.». غير أن عملية السلام ستتغير ومعها آراء البرغوثي. ففي ضوء اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في 1995، وميل السياسة الإسرائيلية نحو اليمين، وعدم إحراز تقدم في المفاوضات حول الوضع النهائي، بدأ البرغوثي يعتقد أن الإسرائيليين يتلكؤون لتضييع فترة السنوات الخمس التي حددتها اتفاقات أوسلو وتوسيع المستوطنات قصد جعل قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.

ثم تقوّى هذا الشعور وتكرّس بعد فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 بين عرفات والرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء إيهود باراك. فخلص البرغوثي إلى أن عملية السلام لا يمكن أن تنجح من دون ضغط على إسرائيل. وبالمقابل، كان يؤمن بأن على الفلسطينيين أن يواصلوا المفاوضات والمقاومة - إن اقتضى الأمر - لحمل إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها والموافقة على إقامة دولة فلسطينية. ويتذكر سعد نمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت ومدير حملة البرغوثي الانتخابية السابق، قوله: «إن الاحتلال يتفاوض معنا ويبقي على احتلاله، ولذلك، نريد التفاوض مع الإبقاء على المقاومة»، مضيفاً: «لا يمكن أن يكون هناك احتلال وسلام في الوقت نفسه».

اليوم، تتناغم هذه المقاربة مع رأي الغالبية الفلسطينية وتلقى تأييداً في كلا المعسكَرين الفكريين: أولئك الذين يؤمنون بالمفاوضات وبناء المؤسسات لتحقيق الدولة، وأولئك الذين يعتقدون أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة. ويقول أحد كبار المسؤولين في حركة «فتح»: «إن المفاوضات من أجل المفاوضات مع عدم وجود شريك إسرائيلي قادتنا إلى كارثة»، مضيفاً: «ولكن مقاربة مروان يمكن أن تعيدنا إلى طريق إقامة الدولة». تطبيق هذه المقاربة خلال الانتفاضة الثانية أدى إلى سجن البرغوثي بعد أن قاد في البداية احتجاجات في نقاط التفتيش الإسرائيلية على أمل استئناف المفاوضات.

ومع ازدياد عنف الانتفاضة، ووسط التنافس مع «حماس» على الدعم الشعبي، أنشأت «فتح» تنظيم «كتائب شهداء الأقصى» المسلح تحت سلطة البرغوثي. ويقول زملاؤه إنه لم يكن هو من يديره، ولكنه منحه دعماً خطابياً، مشدداً في الوقت نفسه على أن تهاجم قواته الأهداف العسكرية فقط في الأراضي المحتلة. غير أنه مع خروج العنف عن السيطرة، يقول زملاؤه، خرق التنظيم اللامركزي تلك المعايير وقتل مدنيين. وبعد فشل محاولة إسرائيلية لاغتياله، اعتُقل البرغوثي وحوكم وأُدين، رغم أنه رفض الاعتراف بشرعية المحكمة. في سجنه الإسرائيلي، بدأ البرغوثي مؤخراً تدريس مادة ماجستير في الشؤون الإسرائيلية.

أقاربه وزملاؤه يشعرون بالقلق من أن دوره كشخصية قادرة على توحيد الفلسطينيين يضرّ بفرص إطلاق سراحه، إذ إن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لديهما مصلحة في بقائه في السجن. ويقال إن ظروفه المعيشية تدهورت منذ أن أمر وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير باحتجازه في حبس انفرادي في ديسمبر الماضي.

أقاربه لم يتمكنوا من التواصل معه. ووفقاً لمحاميه، فإنه يعاني من محدودية الاستفادة من الرعاية الطبية محدودة ومن فقدان سريع للوزن. وخلال زيارة قام بها محاموه في 25 مارس، ظهرت على البرغوثي كدمات كبيرة وقال إنه تعرّض للضرب من قبل حراس السجن في 6 مارس حتى انهار، كما يقول أفراد من عائلته. غير أنهم يؤكدون على أنه في حالة معنوية جيدة. وعندما سُئل شقيقه الأصغر عن المستقبل، استخدم كلمات شقيقه وقال: «نحن الفلسطينيين لدينا مانديلا الفلسطيني وننتظر دي كليرك إسرائيلياً».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»