أعلنت وكالة «ناسا» الأسبوع الماضي أنها تقوم بإصلاح جذري لمهمتها المرتقبة والمضطربة لجلب قطع من المريخ إلى الأرض، وهي خطوة يقول الخبراء إنها حيوية للحفاظ على المشروع. وقالت وكالة الفضاء الأميركية إنها تواصل دعم استرجاع عينات المريخ Mars Sample Return، لكنها ستعمل على تشغيل البرنامج في ظل ميزانيات بسيطة على المدى القريب، بينما تسعى للحصول على مقترحات لهندسة مهمة أسرع وأقل تكلفة. والمهمة هي محاولة طموحة للحصول على أجزاء نقية من الكوكب الأحمر، والتي قد تساعد العلماء في الكشف عما إذا كان قد استضاف الحياة على الإطلاق.

لكن مستقبل المشروع كان غير مؤكد منذ الخريف الماضي، عندما أصدرت لجنة مراجعة مستقلة تقريراً رهيباً يفيد بأن المهمة بحاجة إلى إصلاح إداري وسط احتمال تجاوز التكاليف والتأخير. ووفقاً لتقديرات تقرير صادر عن الوكالة لعام 2020، فإن استرجاع العينة سيكلف ما بين 3.8 مليار دولار و4.4 مليار دولار. والآن تتراوح التكلفة المقدرة على مدى عمر المهمة بين 8.4 مليار دولار و10.9 مليار دولار، مع وصول العينات إلى الأرض في عام 2040.

وهذا من شأنه أن يجعل تكلفة استرجاع عينات المريخ مماثلة لسعر تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي، وهو أعجوبة علمية وهندسية تراقب الكون الآن من مدار شمسي على بعد حوالي مليون ميل من الأرض. استغرق «جيمس ويب» عقوداً من الزمن لينطلق من الأرض، واستحوذ على أموال «ناسا» المخصصة للبحث العلمي أكثر مما كان يتوقع أي شخص. وقال بيل نيلسون، مدير وكالة «ناسا»، في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي، إن تاريخ عودة العينات المقدر لعام 2040 «غير مقبول». وأضاف: «إنه عقد الأربعينيات من القرن الـ 21 الذي سنقوم فيه بإرسال رواد الفضاء على سطح المريخ. فمن غير المقبول أيضاً أن تبلغ التكلفة 11 مليار دولار». تأتي تكلفة استرجاع عينة المريخ في وقت لا تكفي فيه الميزانية العلمية لوكالة «ناسا» لتمويل جميع التلسكوبات والمسابير الفضائية الجاري تنفيذها بالفعل أو التي يتم التخطيط لها. ومع عدم وضوح دعم الكونجرس للمهمة، قام «مختبر الدفع النفاث» التابع لـ«ناسا» في وقت سابق من هذا العام بتسريح حوالي 8% من قوته العاملة. ومع ذلك، ظلت مهمة استرجاع عينة المريخ هي الأولوية القصوى في عملية المسح التي تجرى كل عشر سنوات لمجتمع علوم الكواكب.

لكن استعادة بقايا المريخ الأصلية لتحليلها مختبريا على الأرض يتطلب إنجازات تكنولوجية غير مسبوقة. ولا تستطيع «ناسا» وشركاؤها، بما في ذلك وكالة الفضاء الأوروبية، إرسال مركبة فضائية إلى سطح المريخ ببساطة وتوقع انطلاقها مرة أخرى والعودة إلى الأرض. وبدلاً من ذلك، تتطلب المهمة أسطولاً من سفن الفضاء التي تعمل كفريق واحد. تقوم المركبة الجوالة «بيرسيفيرانس» التي هبطت على المريخ في عام 2021، بجمع وتخزين عينات من الصخور والتربة المريخية في جيزيرو كريتر (أو فوهة جيزيرو، وهي فوهة على كوكب المريخ)، حيث يعتقد العلماء أن نهراً تدفق إلى بحيرة منذ مليارات عدة من السنين. تتمتع المركبة الجوالة بتمويل منفصل عن مشروع استرجاع العينة. وقال نيلسون: «أعتقد أنه من العدل أن نقول إننا ملتزمون باستعادة العينات الموجودة هناك». دعت الخطة الأصلية «ناسا» إلى إرسال مركبة أخرى للهبوط على المريخ، وجمع العينات من المركبة «بيرسيفيرانس». ستحمل مركبة الهبوط هذه مركبة صعود تنطلق من «المريخ» وتحمل العينات إلى المدار. وهناك سيتم نقل المواد إلى مركبة فضائية أخرى، وهي مركبة مدارية حول المريخ أنشأتها وكالة الفضاء الأوروبية، ومكلفة بمهمة نقل العينات إلى الأرض.

وفي المؤتمر الصحفي، دعا مسؤولو «ناسا» المجتمع العلمي والصناعة إلى اقتراح أفكار جديدة تستخدم المزيد من التقنيات الموجودة والمثبتة - وربما عملية أبسط - لاستعادة العينات. من جانبه، قال «نيكولا فوكس»، رئيس قسم العلوم في«ناسا»، خلال المؤتمر الصحفي: «نحن نبحث في إمكانات غير تقليدية يمكن أن تعيد العينات في وقت مبكر وبتكلفة أقل». ورأت «بيثاني إيلمان»، عالِمة الكواكب في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» و«رئيسة جمعية الكواكب»، إن «ناسا بحاجة إلى إيجاد قوة الإرادة لإنهاء المهمة التي بدأتها المركبة بالفعل». وأضافت: «أنا واثقة من أن لدينا المعدات التكنولوجية اللازمة لجمع عينات العودة معا. ولكن عندما نختار القيام بأشياء صعبة، علينا أن نقرر القيام بها والتغلب على التحديات معا. وما نحتاج إليه هو القيادة والالتزام للقيام بذلك».

*كاتب أميركي

 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»