عاشت بلدنا وسواها من الدول مؤخراً لحظات صعبة وأجواءً مناخية لم يعهدها الناس، فأصيب كثيرون بحالة من الخوف إثر العواصف والأمطار الغزيرة التي نتجت عنها خسائر، أقلها الخسائر المادية، وأكثرها ألماً بالطبع الخسائر في الأرواح، لا سيما وأن العشرات كانوا ضحايا تلك الأجواء المناخية في باكستان وسلطنة عُمان. لكن بلدنا نجت من هذا المصير، فمرت العاصفة رغم قسوتها من دون خسائر في الأرواح، مع العلم أن الهطولات المطرية التي شهدناها كانت من أكبر المعدلات منذ عقود. وفي منطقة «خطم الشكلة» بالعين وحدها، بلغت 254.8 ملم في أقل من 24 ساعة. وحسب إبراهيم الجروان رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك فإن كميات الأمطار التي هطلت على الإمارات وحدها كانت أضعاف ما تسجله بريطانيا على مدار أشهر.
وربما تواصل الهطولات المصحوبة بالبرق والرعد والبرد على مدار أيام الأسبوع هو ما أثار مخاوف الناس في الإمارات وخارجها. وكان من الطبيعي أن يبدي كثيرون تعاطفهم معنا في تلك الظروف الصعبة. مع العلم أنه في مثل هذه الحالات يكشف التلاحم المجتمعي في الإمارات عن وجهه، وبأحسن صوره.
فالناس من مختلف الجنسيات، والمؤسسات المعنية بجميع طواقمها، كانوا قد تعاونوا لدعم وإنقاذ العالقين سواء في مناطق بعيدة، وكذلك للذين حاصرتهم مياه الأمطار في الشوارع، الراجلين منهم وقائدي المركبات. والمهم في ما حدث هو تأكيد مؤسساتنا والإدارات المعنية جهوزيتها للتعامل باستباقية واحترافية مع مثل تلك الحالات الطارئة لتعزيز حالتي الاستقرار والسلامة في المجتمع.
ورغم صعوبة الموقف، إلا أن الإمارات نجحت في استعادة كافة مظاهر الحياة بعد أيام قليلة، لتعزز مكانتها وصورتها لدى الجميع في الداخل والخارج، باعتبارها باتت عنواناً للتحدي والإنجاز والقدرة على تخطي الصعاب.
ومراعاة لتلك التقلبات الجوية غير المسبوقة، وجهت الحكومة بالعمل عن بُعد لجميع موظفي الحكومة الاتحادية، باستثناء الوظائف التي تتطلب الحضور إلى مقر العمل. وكانت اللجنة العليا للأمن في حالة انعقاد دائم خلال الأسبوع الماضي لضمان الاستجابة السريعة واستمرارية الأعمال، أما الفرق الميدانية وفرق الطوارئ في جميع الإمارات فقد عملت بصورة استثنائية، ومن بينها فرق الدفاع المدني، الإسعاف والإنقاذ، الدوريات الشرطية، وكلها بذلت جهوداً كبيرة لتأمين طرق وأماكن جريان المياه والأودية ومخارج السدود وسحب المياه المتراكمة، كما نظمت حركة السير، إلى أن تمت مرحلة التعافي واستعادة الحياة الطبيعية بشكل شبه كامل.
صحيح أن ظاهرة الهطولات المطرية الغزيرة تحدث في مناطق مختلفة من العالم، لكن لا بد من التذكير بأن التغيرات المناخية لها آثار سلبية ووخيمة على حياة البشر. ورغم أن الإمارات على وعي كامل وإدراك تام بأبعاد تلك المشكلة وخطورتها، إلا أن الكثير من الدول الكبرى ما تزال لا تتحرك إلا بالكلام. فالتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري لتلافي آثارها السلبية يتطلب سعياً جاداً وعملاً حثيثاً لإيجاد حلول عملية تخفف من حدة تلك الظاهرة عالمياً.
ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى جهود الإمارات خلال استضافتها مؤتمر «كوب 28»، والتذكير بدورها لمحاولة تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف التي شاركت فيه من أجل إقرار خريطة دولية والاتفاق على استراتيجية عالمية لمعالجة التغيرات المناخية ومواجهة أخطارها التي تزداد يوماً بعد يوم، وترفع من مستوى القلق العالمي. فهل سيهبّ الجميع هبّة واحدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
نعم.. يد واحدة لا تكفي لحماية العالم! وعلى كل الدول، وخصوصاً المؤثرة منها – احترام الطبيعة والنظر إليها بعين المحب، والعمل على حماية الكوكب بأقصى درجة ممكنة.