فرَض مصطلح «الهُويَّة» منذ عشرينيات القرن العشرين نفسه، وشغَل حيزاً محوريّاً في مختلف المجالات والدراسات. وقد تباينت تعريفات هذا المصطلح مثلما تباينت أغلب المفاهيم الاجتماعية والثقافية الأخرى. وبإيجازٍ يمكن تعريف الهوية على مستوى الفرد بأنها مجموعة الصفات التي تعرِّف الفرد، وتميِّزه من غيره، وعلى صعيد المجتمعات بأنها العناصر والسمات المشتركة لأفراد المجتمع الواحد، التي تُشعِرهم بأنهم مرتبطون بعلاقات وخصائص تميزهم من غيرهم، وتولِّد لديهم الشعور بالانتماء إلى وطن يفخرون به، ويعتزون بولائهم له ولقادته. 

وتُعَدُّ مرحلة الطفولة أهم مرحلة من مراحل بناء شخصية الإنسان، واكتسابه القيم والسلوكيات السليمة. وتتمثَّل أهم القيم، التي يهتم المربون بغرسها وتعزيزها لدى الطفل، في قيم الانتماء والولاء للوطن، وبناء الهوية الوطنية، التي لا بدَّ أن تبدأ من مراحل الطفولة الأولى حتى تُؤتي ثمارها لاحقاً، فينشأ الطفل مواطناً صالحاً يستطيع أن يحمل على كاهله مسؤولية تنمية الوطن، وحمايته، والحفاظ عليه. وقد اهتمت دولة الإمارات العربية المتحدة بالطفل والطفولة، وأولتهما عناية كبيرة، فانعكس ذلك الاهتمام على نواحٍ عدَّة، أهمُّها ما ينتجه الكُتَّاب من خطاب أدبي وثقافي تتجلى فيه أهداف التربية المنشودة، وبناء المواطنة السليمة. 
ولمَّا كانت القصة من أحب الفنون الأدبية إلى نفس الطفل، وأكثرها جاذبيةً وإمتاعاً له، وأشدها تأثيراً في سلوكه القيمي والأخلاقي، كان من المهم أن يستثمرها الكُتَّاب في هذا المجال. وقد انتبه كُتَّاب قصص الأطفال في دولة الإمارات إلى هذا الأمر، فانعكس ذلك على مضامين قصصهم، من حيث الاعتناء بتعزيز الهوية الوطنية، وترسيخها بصور مختلفة، مثل بث روح الاعتزاز بالوطن وتاريخه وأمجاده وإنجازاته، وتجسيد القدوة الصالحة المتمثلة في قادة الوطن ومؤسسيه وشخصياته البارزة، فضلاً عن التركيز على الموروث الشعبي المادي والشفاهي، وعادات المجتمع وتقاليده الأصيلة في الملبس والمأكل والمشرب، ورصد صور الاحتفالات الخاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية. 
ومن أجمل قصص الأطفال التي سردت قصة الوطن سرداً تاريخيّاً مبسطاً، يتناسب مع المستوى الإدراكي للطفل في مراحله الباكرة، قصة «القائدان البطلان» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، التي يقول في بدايتها: «سأحكي لكم اليوم قصة جميلة، ولكنها قصة حقيقيَّة، وليست خياليَّة، إنها قصة دولة الإمارات». 
وتبدأ أحداث القصة بالتعريف بالقائدين البطلين المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين أحبا الناس كثيراً، فأحبهما الناس، فقد كان لديهما حلم كبير بتأسيس دولة جميلة يعيش فيها الناس بسعادة، ويلعب أطفالها في حدائقها الخضراء، لتبدأ بعد ذلك الخطوات الحقيقية، فيجتمعان ويتفقان على تحقيق ذلك الحلم الذي طال انتظاره: 
«قال الشيخ زايد للشيخ راشد: لكي نحقق الحلم لا بد أن نتَّحد جميعاً، لأن الاتحاد قوة، والتفرق ضعف. قال الشيخ راشد للشيخ زايد: نعم، الاتحاد قوة». 
وتحقق الاتحاد بعد مدَّة وجيزة باجتماع القادة المؤسسين وسط فرحة عارمة عمَّت أرجاء البلاد: «اجتمع الناس وجميع القادة السبعة الأبطال بعد ذلك في بيت كبير اسمه «دار الاتحاد»، واحتفلوا جميعاً، لأنهم أصبحوا أقوياء متحدين، وأخبروا جميع الناس بأنهم سيبنون دولة الإمارات». 
وإذا كانت الهوية الوطنية لا تُولد مع الإنسان، بل هي من الفضائل التي يكتسبها الطفل من بيئته ومحيطه، فإن قصص الأطفال يمكن أن تؤدي دوراً فعالاً في تعريف الأجيال بمعنى الوطنية والمواطنة السليمة، وإعداد المواطن الصالح المنتمي الذي يفيد مجتمعه، ويسهم في بناء وطنه ورفعته وازدهاره، ولذلك كان من المهم جدّاً استثمارها في بناء هوية الطفل الوطنية، وتعزيز انتمائه إلى أرضه ووطنه، وولائه لقيادته.
*أستاذة مساعدة للأدب والنقد الحديث في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشارقة